ربكم يحب المغفرة

7 1559

من أسماء الله تعالى: الغفور ـ الغفار ـ الغافر.

وأصل الغفر التغطية والستر، وهو في حق الله عز وجل أن يستر على عبده فلا يفضحه بذنبه، ويكثر ويزيد عفوه على مؤاخذته، وقد أنزل الله في كتابه آيات تتلى تبين للعباد أنه سبحانه يحب المغفرة:

[نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم] {الحجر:49} ، [وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب] {الكهف:58} ، [غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول] {غافر:3}،  وقال نوح عليه السلام لقومه: [فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا] {نوح:10} ، إنه الله الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفا، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفا، وكل أحد فقير إلى عفوه ومغفرته، كما أن كل أحد فقير إلى رحمته سبحانه وكرمه.

ومع كمال غناه وفقر عباده إليه، فإنه ينادي عليهم صباح مساء:(... يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم] {الزمر:53} ،

إنه الله الذي لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين، ومع ذلك يعفو ويغفر يستر ويرحم،بل رحمته ومغفرته واسعة.

[إن ربك واسع المغفرة] {النجم:32}، [ورحمتي وسعت كل شيء] {الأعراف:156}، بل من حبه لرحمة العباد كتب كتاب الرحمة بيده،كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: " كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق، رحمتي سبقت غضبي" صحيح.

وكما قال: " لما قضى الله الخلق، كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي". فلا ينبغي أن ييأس أحد من مغفرة الله تعالى لذنوبه وإن عظمت ، فإن الله يحب المغفرة ؛ قال عليه الصلاة والسلام : " إن الشيطان قال وعزتك يا رب لا أبرح أغوى عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم ، فقال الرب : وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني" رواه أحمد وغيره وصححه الألباني.

إن مغفرة ذنب واحد خير من الدنيا وما فيها:

وقد بين الله تعالى هذا المعنى في قوله تعالى: (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون) {آل عمران:157}.

إنها مغفرة العزيز الغني:

إن مما لا شك فيه أن مغفرة الله تعالى لعباده ليست ناتجة عن عجز أو فقر أو حاجة تعالى الله عن ذلك كله بل الله تعالى هو الغني العزيز ذو القوة والجبروت ، ولهذا ورد في القرآن اقتران اسميه سبحانه العزيز  والغفور ، كما ورد اقتران العزيز والغفار في بعض الآيات من نحو قوله تعالى:

[إن الله عزيز غفور] {فاطر:28}، [ألا هو العزيز الغفار] {الزمر:5}، [رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار] {ص:66}، فليست مغفرته تعالى لعباده لعلة، ولا لحاجة، ولا لاستحقاق، إنما محض فضل وجود وإنعام.

سؤال الله المغفرة هي دعوة الأنبياء:

فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل ربه المغفرة في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة ، ولما سألته أمنا عائشة رضي الله عنها إن أدركتها ليلة القدر ما تقول فيها ، قال : قولي : "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".

دعانا للتعرض لأسباب المغفرة:

إن ربنا تبارك وتعالى يغفر لمن يشاء من عباده الذين لا يشركون به ول بغير أسباب كما قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما) {النساء:48}، لكنه مع ذلك دعا عباده للتعرض لأسباب المغفرة ، وبين لهم أن أولى الناس بمغفرة ربه هم أولئك الفطناء الذين أخذوا بأسباب المغفرة ، وفي بيان ذلك يقول ربي تبارك وتعالى:

[وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى] {طه:82}

ففي الآية بيان لبعض أسباب المغفرة ووعد من الله تعالى لمن تعرض لهذه الأسباب أن يغفر الله له.

كما بين ذلك أيضا في مواضع أخرى من كتابه فقال: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا. إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما) {الفرقان: 68ـ 70}

وقال الله عز وجل: (إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم) {النمل:11}

إن التعرض لأسباب المغفرة لهو من أقصر السبل لنيل الجنة:

كما بين الله تعالى ذلك في كتابه الكريم فقال:(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين) {آل عمران:133}.

فهيا بنا أيها الأحبة نتعرض لأسباب المغفرة ـ التي سنتحدث في مقالات قادمة عن بعضها ـ ولتهتف قلوبنا قبل ألسنتنا مع هذا الذي استشعر سعة رحمة ربه تعالى:

لي في نـــوالك يـا مــولاي آمــــال         من حيث لا ينفع الأهلون والمـال

ولم يضق بي منك العفـو إن ختمت        لي بالشــهـادة أقـــــوال وأفعــــال

كن لي إذا أغمضوا عيني وانصرفوا      باكين أسـمـع منهــم كل مـا قالـوا

وامنن بــــروح وريحـــان علي إذا         ضاق الخناق فهول الموت أهوال

واسـتـخرج النفس أمــلاك مطهرة         لهـا إلى لـطفك المأمـــول تـرحال

أصبحت بين يديك اليوم منطرحـا          ولي بنفسي عـن الأغيـار أشغـال

فأولني يا غفـــور العفو مـنك فـلا           يبقـى عـلـي مـن الأوزار مـثـقال

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة