من لا يرحم لا يُرحم

1 1564

عن أبى هريرة رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس رضي الله عنه أبصر النبى -صلى الله عليه وسلم- يقبل الحسن ، فقال: "إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( إنه من لا يرحم، لا يرحم) متفق عليه.

وفي رواية المستدرك عن عائشة رضي الله عنها: (أرأيت إن كان الله نزع الرحمة من قلبك فما ذنبي؟) .

تفاصيل الموقف

نطالع في هذه السطور طبيعتين متغايرتين، وموقفين متناقضين، وشخصيتين متباينتين، تمثلت الأولى منهما في نبي كريم، وكنف رحيم، تنضح مواقفه بالرعاية الحانية، واللمسة الرقيقة، والوجه البشوش، والجانب اللين، والحفاوة البالغة.

وأما الأخرى منهما، فجلافة في الطبع، وقسوة في التعامل، ورحمة غاض ماؤها، وجفت بساتينها، وذبلت أزهارها، لتحل محلها قسوة لا تلين، وشدة لا مكان فيها لمعاني الرقة والحنو، والعطف والرفق.

تلك هي شخصية الأقرع بن حابس سيد بني تميم، من أعراب البادية الذين عركتهم حياة البادية –بقسوتها وشدتها- ونهشتهم بأنيابها، فتطبعوا بطباعها، وتخلقوا بأخلاقها.

ومن هذا المنطلق كان الأقرع بن حابس يعامل أولاده العشرة منذ نعومة أظفارهم معاملة الكبار والرجال، دون أن يسمح للمشاعر المرهفة والإحسان المطلوب لسن الطفولة أن تجد لها طريقا إلى التعامل مع أبنائه.

ثم تهيأت الفرصة للأقرع أن يزور رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في بيته؛ ليتجاذب معه أطراف الحديث، فأكرمه النبي عليه الصلاة والسلام واستقبله أحسن استقبال، وأقبل إليه بوجهه البشوش وقلبه الكبير كعادته عليه الصلاة والسلام مع ضيوفه.

وصادف في هذه الأثناء أن دخل الحسن رضي الله عنه إلى مجلس النبي –صلى الله عليه وسلم- والشوق واللهفة يدفعانه دفعا إلى الحضن النبوي الدافئ، والرحمة الفياضة، وكيف لا يفعل الصغير ذلك وذاكرته ملأى بمواقف الحب والحفاوة التي يحظى بها مع أخيه الحسين رضي الله عنهما؟.

وهكذا ألقى الصبي نفسه بين أحضان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ليضمه عليه الصلاة والسلام ويقبله مرارا، وعندما أبصر الأقرع هذا المشهد –وهو مشهد غير مألوف بالنسبة له- انعقد حاجباه دهشة واستغرابا، فلم يكن من المألوف لديه معاملة الصغار بمثل هذه الشفقة والرحمة، فلذلك علق قائلا: "إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم".

ما هذا الطبع الذي اتصف به الأقرع ليحرمه من بركة الله وفضله، ورحمته الموعودة للرحماء في الأرض كما هو منصوص عليه في الشرع، فما كان من النبي –صلى الله عليه وسلم- إلا أن أجابه معلما: : ( إنه من لا يرحم، لا يرحم) ، وفي رواية: (أرأيت إن كان الله نزع الرحمة من قلبك فما ذنبي؟) .

إضاءات حول الموقف

يرشد الموقف النبوي الكريم إلى ضرورة معاملة الصغار من منطلق الرحمة والرأفة والشفقة، وهذا يقتضي في المقابل ترك الغلظة والجفاء معهم بكافة أشكاله وصوره؛ وهذا الإرشاد مستفاد من فعل النبي –صلى الله عليه وسلم- مع الحسن رضي الله عنه من الملاطفة والتقبيل، ومن قوله عليه الصلاة والسلام: : ( إنه من لا يرحم، لا يرحم) .

فالله سبحانه وتعالى يرحم من عباده الرحماء، وأولى الناس بمظاهر الرحمة والرأفة هم صغار السن والذين يعيشون مرحلة الطفولة، وهذا يستدعي مودة تسعهم، وحلما لا يضيق بجهلهم، وملاعبة تنمي الأواصر وتقوي الصلات الروحية بين الصغير والكبير.

وهذه الرعاية الخاصة التي جاء التوجيه النبوي بها لها أثر كبير على نفسية الأطفال واستقرارهم العاطفي، وهي عامل أصيل من عوامل النمو السلوكي، فصدق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- القائل: ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا) رواه أحمد .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة