الحب .. في ظلال بيت النبوة

19 1719

من الخطأ في حق الحب الطاهر والعفيف أن نبحث عنه في غير مظانه، وأن نحرص على تعلمه عند غير أهله، فالحب أكبر من أن يبدأ من مكالمة هاتفية عابرة، بل خاطئة، وأسمى من أن تكون المسلسلات والأفلام مدرسته، وميدان تعلمه، وهو أطهر وأنقى من أن نبحث عن معانيه الراقية في ثنايا قصيدة لشاعر ماجن لا يتقيد بشيء، ولأن ديننا الحنيف دين الجمال والروح والعقل والبدن، فلا بد أنه سيعطي موضوع الحب قدرا من الاهتمام، فقد شغل البشر قديما وحديثا، ومثل قضية عامة في جميع المجتمعات، فكان الحب الذي يصون كرامة المرأة وعفافها، ويكرم الرجل ويحفظ مكانته، بعيدا عن اللعب واللهو والعبث باسم الحب، والتشبه بالضائعين والضائعات.

فلسنا بحاجة إلى الحب بالمعنى المستورد من المجتمعات المتفككة والعابثة والبعيدة عن قوانين السماء مهما كانت دعاواهم.

تعالوا نتعرف عن الحب في حياة أتقى وأنقى الخلق - صلى الله عليه وسلم - لنعرف أين نحن منه، وكم حرمنا أنفسنا من حقيقة الحب:

كان يقبل أهله وإن كان صائما، وإذا شربت حبيبته من إناء تعمد أن يضع فمه على موضع فمها، وإذا كان في سفر مع من يحب، استغل الفرصة للمسابقة فسبق وسبق، وكان يغتسل معها من إناء واحد تختلف فيه أيديهما، وإذا زارته في متعبده عند اعتكافه، عاد معها مرافقا مؤنسا، وإذا أراد سفرا لا يخرج بدون إحدى زوجاته وحبيباته، وإذا كان معهم في بيته، كان في مهنتهم يساعدهم، ويلاطفهم، ويؤنسهم، يذبح الشاة فيذكر حبيبته التي سبقته إلى الآخرة، فيرسل لصواحبها وفاء وحبا، تأتي عروسه لتركب فيعد ركبته؛ لتعتمد عليها فتصعد مركبها، ولم يضرب بيده امرأة قط، وقد جمع تسع نسوة، وكان يمازح، ويداعب، ويستمع الشكوى، وينصت إلى القصص، ويعطي أهله فرصة النظر إلى الألعاب، وهو الذي يسترهم، ولا يترك حتى يشبعوا، وإذا سئل عمن يحب، صرح باسمها دون تحرج أو تردد، فالحب مما لا يمكن إخفاؤه.

عاش الحب في واقعه، وعاش ذكرياته، حتى قالت حبيبته: "ما غرت على امرأة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما غرت على خديجة؛ لكثرة ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها وثنائه عليها، فقد ظل يعيش ذكريات أول حبيبة في حياته، ولو بعد وفاتها بسنين، ومع مجيء غيرها، ومنافساتهن لها.

عاش الحب ودعا غيره له، فقال: ((خيركم خيركم لأهله))، ((ولا يفرك مؤمن مؤمنة))، ((واستوصوا بالنساء خيرا))، ويشير إلى أن يضع الرجل اللقمة في في امرأته، ويحض على الملاعبة المتبادلة، ويراعي المشاعر، فيحث على الرفق بالقوارير تشبيها لطيفا وحثا جميلا.

هذا الحب الطاهر العفيف كان يجري في ميدانه الفسيح ومكانه الآمن في حديقة الزواج الوارفة، وبيت الزوجية التي تنعم بظلال الحب، فتأتي السعادة إليه راغبة أو راغمة.

ومن هذه المدرسة، ومن هذا الأستاذ ينبغي أن نتعلم الحب بعيدا عن التلاعب بالعواطف، والتقليد الأعمى لمن لا تحكمهم ضوابط، ولا تردعهم أخلاق، ولا يفرقون بين ما يصح وما لا يصح.

فصلى الله على خير الناس لأهله، وعلى من سار على نهجه، واقتفى أثره، وسلم تسليما كثيرا.

ــــــــــــــ
المصدر: نبيل النشمي

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة