القنوت

0 1269

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فقد امتدح الله عز وجل عباده المؤمنين وأثنى عليهم بالكثير من الصفات التي يحبها فيهم.

ومن جملة الأخلاق والصفات التي أثنى الله بها على عباده المؤمنين أنهم قانتون، فقال الله عز وجل: ( للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد*الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار*الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار) {آل عمران:15-17}.

وإن للنساء من ذلك حظا حيث قال الله عز وجل: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله). {النساء:34}

كما وعد سبحانه على هذه الصفة أجرا كبيرا: (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما) {الأحزاب:31} .

وقال سبحانه: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) {الأحزاب:35} .

كما أثنى الله على خليله ورسوله إبراهيم عليه السلام بأنه كان من هؤلاء القانتين لله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين) {النحل:120} .

وأثنى على مريم بأنها كذلك من القانتات فقال: (ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين) {التحريم:12} .

من معاني القنوت:

ذكر العلماء عدة معان للقنوت يدور أغلبها حول دوام الطاعة، والصلاة، وطول القيام، والسكوت، والخضوع، والدعاء.

وهذه كلها داخلة في معنى القنوت ولا شك، والأدلة تشمل ذلك كله.

فكون القنوت هو الخضوع والطاعة لله فذلك ما دل عليه قول الله تعالى: (وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون*بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون). وقوله سبحانه: (وله من في السماوات والأرض كل له قانتون).

وأما كونه بمعنى السكوت فقد دل عليه ما ورد عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: " كنا نتكلم في الصلاة يكلم أحدنا صاحبه في حاجته، حتى نزلت ( وقوموا لله قانتين )، فأمرنا بالسكوت.

ويأتي القنوت بمعنى طول القيام، وهو ما دل عليه قول الله عز وجل: (أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب). وما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصلاة طول القنوت".

وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي حتى ترم قدماه ـ أو ساقاه ـ فيقال له، فيقول: " أفلا أكون عبدا شكورا". رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وابن ماجة، وحسنه الألباني.

وسئل ابن عمر رضي الله عنهما عن القنوت فقال: ما أعرف القنوت إلا طول القيام، ثم قرأ: (أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما).

وأما ورود القنوت بمعنى الدعاء فدل عليه ما جاء عن البراء بن عازب رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصبح والمغرب". (مسلم).

وعن أنس رضي الله عنه قال: " قنت رسول الله شهرا يدعو على رعل وذكوان". (البخاري ومسلم ،واللفظ للبخاري).

وهكذا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حقق جميع معاني القنوت فكان يصلي ويطيل الصلاة وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء. قيل له: وما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر رسول الله". (البخاري ومسلم).

وعن حذيفة رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى، فكان إذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية عذاب استجار، وإذا مر بآية فيها تنزيه لله سبح". (البخاري ومسلم).

ولما خسفت الشمس في عهده قام يصلي فأطال القيام جدا، ثم ركع فأطال الركوع جدا، وهكذا في سجوده.

وكان يدعو ربه ويطيل الدعاء ويختار من الدعاء أحسنه وجوامعه وإذا قرأ القرآن أو قرئ عليه بكى، ولقد قال عبد الله بن الشخير رضي الله عنه: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء". أبو داود والنسائي.

فيها أيها القارئ الحبيب:

قد عرفنا الآن شيئا من معاني القنوت، وعرفنا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته ما يدل على تحققه فيه، فهلا اقتدينا به وتأسينا، ولجأنا إلى ربنا ودعوناه وخشعت له قلوبنا؟  عسى أن يجعلنا الله من القانتين.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة