العلمانيون.. واللعب بالمصطلحات

1 751

تعد المصطلحات أرقى تقنيات التحايل التي يتسلح بها المثقف"اللاديني" لمواجهة المجتمع المسلم وصحوته.

فالمصطلح ـ من جهةـ يضفي قدرا من الجاذبية على لغة الخطاب. ومن جهة أخرى فإن المثقف العلماني يتقن صياغته بصورة فضفاضة، تتجنب الدلالة المباشرة على "معنى" معين، ولاسيما إن كان هذا المعنى "أصلا" دينيا لا يجوز أن تنتهك حرمته، مما يمكنه من قصف هذا "الأصل" دون أن ينزلق إلى مواجهة مباشرة معه، تستفز مشاعر المسلمين، وتجره إلى ما لا يحمد عقباه.


خذ ـ مثلا ـ مصطلح "الثقافة الغيبية"، وهو يعني في الخطاب العلماني العربي "الخرافة" ويشيع استعماله في الأدبيات العلمانية للإشارة بطريقة غير مباشرة إلى الإسلام. ولكن استخدامه على هذا النحو أي "ثقافة غيبية" يكسبه صفة مطاطية تجعل مضمونه يتسع ليشمل "مقاصد" متعددة. مما يعزز من قدرة من يستعمله ـ في مهاجمة الإسلام ـ على المناورة والمخادعة والإفلات من اتهامه صراحة "بالتطاول على العقيدة والمقدسات"!!


وأما إذا كان المصطلح أجنبيا، فإن ذلك يجعل المثقف العلماني، أكثر مهارة وإتقانا لعمليات "القفز واللعب على الحبال"؛ إذ إنه عند إسقاطه على الواقع العربي ـ الإسلامي، فإنه سيدخل علينا بوجهين:

الأول: معناه في الأصل الغربي له، والآخر: خليط من المعاني التي لا يمكن ضبطها ـ بعد نقله إلى العربية ـ لعدم تناظر "الإشكاليات" الحضارية في التجربتين الغربية ـ والإسلامية.

والمصطلح على هذا النحو، يعطي المثقف العلماني مرونة في التنقل بين هذا المعنى وذاك، كلما أحيط به، دون أن يضبط متلبسا بجرمه!!


خذ ـ مثلا ـ مصطلح "ميتافيزيقا" وهو يعني "ما وراء الطبيعة"، استعمله كاتب شيوعي مصري ـ في مقال له بإحدى الصحف الحزبية في مصر ـ في مهاجمة "الأزهر" متهما إياه "بأنه يحاول فرض سيطرته على الرأي والفكر والإبداع باسم معارف ميتافيزيقية دخلت متحف التاريخ منذ قرون"!!


ولا يخفى على أحد أن الكاتب، لا يقصد إهانة الأزهر وحسب، ولكن يقصد الدين أيضا؛ فالإيمان بالله، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خير وشره. هذا كله يندرج في إطار ما أسماه الكاتب "معارف ميتافيزيقية" والتي جعلها الكاتب "موضة قديمة" وأنها ـ كما يزعم ـ "دخلت متحف التاريخ منذ قرون طوال". ومع هذا لم يتجرأ أحد واتهمه بالخروج عن "الملة"؛ إذ إن سبل الخروج من مأزق مثل هذا الاتهام سيكون يسيرا عليه على أساس أن الاتهام يعد ضربا من ضروب تفتيش ومحاكمات النيات!!


فالرجل لم يذكر "عالم الغيب" صراحة وإن كان يقصده في الأساس، إلا أن استعماله لمصطلح "الميتافيزيقا" جعله في مأمن من إقامة الحجة البينة عليه؛ لأن المصطلح فضفاض يعبر عن أكثر من معنى يمكن أن يحمل على أي منها. ولذا فإن تهمة "ازدراء الدين" غالبا ما يفلت منها المتطرفون العلمانيون ـ على الرغم من اقترافهم لهذا الإثم ـ والسبب في ذلك ببساطة شديدة هو أنهم يتمتعون بحصانة وحماية "اللعب بالمصطلحات"!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمود سلطان " المصريون

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة