كلمة الحـق

0 1366

مقال مهم للعلامة المحدث الشيخ أحمد محمد شاكر افتتح بها سلسلة مقالات بمجلة الهدي النبوي (المجلد 15 العدد الأول محرم 1370هـ) يبين فيه تقصير العلماء (والدعاة والمسلمين) في بيان كلمة الحق في كثير من شؤون المسلمين وأنه ينبغي أن يتوبوا إلى الله من هذا التقصير.


يقول الشيخ رحمه الله:

ما أقل ما قلنا (كلمة الحق) في مواقف الرجال، وما أكثر ما قصرنا في ذلك، إن لم يكن خوفا فضعفا، ونستغفر الله وأرى أن قد آن الأوان لنقولها ما استطعنا، كفارة عما سلف من تقصير، وعما أسلفت من ذنوب، ليس لها إلا عفو الله ورحمته والعمر يجري بنا سريعا والحياة توشك أن تبلغ منتهاها.


وأرى أن قد آن الأوان لنقولها ما استطعنا، وبلادنا، بلاد الإسلام، تنحدر في مجرى السيل إلى هوة لا قرار لها، هوة الإلحاد والإباحية والانحلال، فإن لم نقف منهم موقف النذير، وإن لم نأخذ بحجزهم عن النار، انحدرنا معهم، وأصابنا من عقابيل ذلك ما يصيبهم، وكان علينا من الإثم أضعاف ما حملوا.


ذلك بأن الله أخذ علينا ميثاق {لتبيننه للناس ولا تكتمونه}[آل عمران:187]، وذلك بأن الله ضرب لنا المثل بأشقى الأمم، {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}[المائدة:78 –79].


وذلك بأن الله وصفنا، معشر المسلمين، بأننا خير الأمم {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} [آل عمران:110] فإن فقدنا ما جعلنا الله به خير الأمم، كنا كمثل أشقاها، وليس من منزلة هناك بينهما.

وذلك بأن الله يقول: {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله} [الأحزاب:39].

وذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق، أو يذكر بعظيم) رواه أحمد في المسند 11494 بإسناد صحيح.

وذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحقرن أحدكم نفسه. قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: يرى أمرا لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله – عز وجل – له يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا ؟ فيقول: خشية الناس. فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى )) رواه ابن ماجه 2/252 بإسناد صحيح.


نريد أن نقول (كلمة الحق) في شؤون المسلمين كلها، نريد أن ننافح عن الإسلام ما استطعنا، بالقول الفصل، والكلمة الصريحة، لا نخشى فيما نقول أحدا إلا الله ؛ إذ نقول ما نقول في حدود ما أذن الله لنا به، بل ما أوجب عليه أن نقوله بهدي كتاب ربنا وسنة رسوله.


نريد أن نحارب الوثنية الحديثة والشرك الحديث، اللذين شاعا في بلادنا وفي أكثر بلاد الإسلام، تقليدا لأوربة الوثنية الملحدة، كما حارب سلفنا الصالح الوثنية القديمة والشرك القديم.

نريد أن ننافح عن القرآن، وقد اعتاد الناس أن يلعبوا بكتاب الله بين أظهرنا، فمن متناول لآياته غير مؤمن به، يريد يقسرها: على غير ما يدل عليه صريح اللفظ في كلام العرب، حتى يوافق ما آمن به، أو ما أشربته نفسه ومن عقائد أوربة ووثنيتها وإلحادها، أو يقربه إلى عاداتهم وآدابهم. إن كانت لهم آداب. ليجعل الإسلام دينا عصريا في نظره ونظر ساداته الذين ارتضع لبانهم أو ربي في أحضانهم.

ومن منكر لكل شيء من عالم الغيب، فلا يفتأ يحاور ويداور، ليجعل عالم الغيب كله موافقا لظواهر ما رأى من سنن الكون، إن كان يرى أو على الأصح لما فهم أن أوربة ترى !! نعم، لا بأس عليه – عنده – أن يؤمن بشيء مما وراء المادة إن أثبته السادة الأوربيون، ولو كان من خرافات استحضار الأرواح !!.


ومن جاهل لا يفقه في الإسلام شيئا، ثم لا يستحي أن يتلاعب بقراءات القرآن وألفاظه المعجزة السامية، فيكذب كل الأئمة والحفاظ فيما حفظوا ورووا. تقليدا لعصبية الإفرنج التي يريدون بها أن يهدموا هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؛ ليجعلوه مثل ما لديهم من كتب.
وهكذا مما نرى وترون.


نريد أن نحفظ أعراض المسلمين، وأن نحارب، ما أحدث (النسوان) وأنصار (النسوان) من المنكرات الإباحية والمجون والفجور والدعارة، هؤلاء (النسوان) اللائي ليس لهن رجال إلا رجال (يشبهن) الرجال!! هذه الحركة النسائية الماجنة، التي يتزعمها المجددون وأشباه المجددين، والمخنثون من الرجال، والمترجلات من النساء، التي يهدمون بها كل خلق كريم، يتسابق وأولئك وهؤلاء إلى الشهوات، وإلى الشهوات فقط.


نريد أن ندعو الصالحين من المؤمنين، والصالحات من المؤمنات: الذين بقي في نفوسهم الحفاظ والغيرة ومقومات الرجولة، واللائي بقي في نفوسهن الحياء والعفة والتصون إلى العمل الجدي الحازم على إرجاع المرأة المسلمة إلى خدرها الإسلامي المصون، إلى حجابها الذي أمر الله به ورسوله، طوعا أو كرها.


نريد أن نثابر على ما دعونا وندعو إليه من العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله في قضائنا كله، في كل بلاد الإسلام، وهدم الطاغوت الإفرنجي الذي ضرب على المسلمين في عقر دارهم في صورة قوانين، والله تعالى يقول: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا}[النساء:60 –61] ثم يقول: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}[النساء:65]

نريد أن نتحدث في السياسة، السياسة العليا للأمم السابقة، التي تجعلهم أمة واحدة، كما وصفهم الله في كتابه، نسموا بها على بدعة القوميات، وعلى أهواء الأحزاب نريد أن نبصر المسلمين وزعماءهم بموقعهم من هذه الدنيا بين الأمم، وتكالب الأمم عليهم بغيا وعدوا، وعصبية وكراهية الإسلام أولا وقبل كل شيء.


نريد أن نعمل على تحرير عقول المسلمين وقلوبهم من روح التهتك والإباحية، ومن روح التمرد والإلحاد، وأن نريهم أثر ذلك في أوربة وأمريكا، اللتين يقلدانهما تقليد القردة، وأن نريهم أثر ذلك في أنفسهم وأخلاقهم ودينهم.


نريد أن نحارب النفاق والمجاملات الكاذبة، التي اصطنعها كتاب هذا العصر أو أكثرهم فيما يكتبون وينصحون! يظنون أن هذا من حسن السياسة، ومن الدعوة إلى الحق (بالحكمة والموعظة الحسنة) اللتين أمر الله بهما! وما كان هذا منهما قط، وإنما هو الضعف والاستخذاء والملق والحرص على عرض الحياة الدنيا.

وما نريد بهذا أن نكون سفهاء أو شتامين أو منفرين معاذ الله (وليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش ولا البذيء) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ رواه الترمذي (3/138 من شرح المباركفوري) وأحمد في المسند 3839، 3948 ـ ولكننا نريد أن نقول الحق واضحا غير ملتو، وأن نصف الأشياء بأوصافها الصحيحة، بأحسن عبارة نستطيعها، ولكننا نربأ بأنفسنا وبإخواننا، أن نصف رجل يعلن عداءه للإسلام، أو يرفض شريعة الله ورسوله – مثلا – بأنه (صديقنا) والله سبحانه نهانا عن ذلك نهيا حازما في كتابه، ونربأ بأنفسنا أن نضعف ونستخذي فنصف أمة من الأمم تضرب المسلمين بالحديد والنار، وتهتك أعراضهم وتنتهب أموالهم، بأنها أمة (صديقة) أو بأنها أمة (الحرية والنور) إذا كان من فعلها مع إخواننا أنها أمة (الاستعباد والنار)! وأمثال ذلك مما يرى القارئ ويسمع كل يوم، من علمائنا، ومن كبرائنا وزعمائنا ووزرائنا ! والله المستعان.


نريد أن نمهد للمسلمين سبيل العزة التي جعلها الله لهم ومن حقهم إذا اتصفوا بما وصفهم به: أن يكونوا (مؤمنين) نريد أن نوقظهم وندعوهم إلى دينهم بهذا الصوت الضعيف صوت مجلتنا هذه المتواضعة، ولكننا نرجو أن يدوي هذا الصوت الضعيف يوما ما، فيملأ العالم الإسلامي، ويبلغ أطراف الأرض، بما اعتزمنا من نية صادقة، نرجو أن تكون خالصة لله وحده، جهادا في سبيل الله، إن شاء الله.


فإن عجزنا أو ذهبنا، فلن يعدم الإسلام رجلا أو رجالا خير منا، يرفعون هذا اللواء، فلا يزال خفاقا إلى السماء بإذن الله.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة