- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
بعد أن أوحى الله لنبيه الخليل إبراهيم، أن يبني له بيتا، وأعلمه بمكانه ففعل، فلما انتهى من بنائه أمره الله بأن يؤذن في الناس داعيا لهم إلى حج هذا البيت.. فذكر أنه قال: يا رب! كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟! فقال: ناد وعلينا البلاغ. فقام إبراهيم على مكان مرتفع – قيل المقام أو الصفا أو جبل أبي قيس – فنادى: أيها الناس! إن (ربكم) قد اتخذ بيتا فحجوه.
فذكر أن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجاب كل شيء سمع من حجر ومدر وشجر، وكل من كتب الله له الحج إلى يوم القيامة.
لم تبق إلا أيام قلائل وينطلق وفد الله إلى بيت الله، ينطلق من لبى دعوة الله، وأجاب نداء الخليل، واستجاب لأمر الرسول الجليل صلى الله عليه وسلم.. كلهم يتوجه إلى مكة شرفها الله؛ ليطوفوا بالبيت العتيق، ويشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات.. أسرع قوم وتباطأ آخرون مع القدرة؛ فأردنا أن نبين بعض فضائل تلك الشعيرة العظيمة؛ عسى أن يكون في الكلام منفعة للسامعين وتسلية للمنفقين، وحث للقادرين المتقاعسين المتكاسلين.
الحج فريضة
الحج ـ كما تعلمون ـ فريضة من فرائض الإسلام، وركن من أركانه، أوجبه الله على المستطيع من الأمة، ووجوبه ثابت بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين. ولعظم فضله وكبير شأنه رغب فيه الشرع ترغيبا شديدا، ودعا القادرين إليه دعاء حثيثا، ورتب عليه من الأجر والثواب شيئا كبيرا، وأجرأ كثيرا.
والحج أفضل الأعمال عند الله، أو من أفضلها كما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال إيمان بالله ورسوله. قيل ثم ماذا قال الجهاد في سبيل الله قيل ثم ماذا قال حج مبرور. (رواه البخاري ومسلم).
وروى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة أيضا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الأعمال عند الله تعالى إيمان لا شك فيه وغزو لا غلول فيه وحج مبرور. (وقد ضعفه الألباني).
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
وبر الحج: إطعام الطعام، وإفشاء السلام، ولين الكلام، وأن يرجع من حجه زاهدا في الدنيا، راغبا فيما عند الله تعالى.روي هذا عن الحسن البصري.. وقد جاء في حديث جابر مرفوعا: (إن بر الحج إطعام الطعام وطيب الكلام).وسنده حسن.
الحج والجهاد
الجهاد عمل من أحب الأعمال إلى الله ورسوله، ولكن في زمان عطل فيه الجهاد، وغلقت أبوابه، يبحث المسلم عن بديل أو ما يشبهه حتى يأتي الله بالفرج، ومن أبواب الجهاد الحج كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "جهاد الكبير والضعيف والمرأة الحج والعمرة".
وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! نرى الجهاد أفضل الأعمال؛ أفلا نجاهد؟ قال: "لكن أفضل الجهاد حج مبرور".
وجاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: إني جبان وإني ضعيف!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هلم إلى جهاد لا شوكة فيه.. الحج". [رجاله ثقات، رواه ابن حبان].
الحج يهدم ما قبله
غاية المؤمن في هذه الحياة وأقصى ما يتمناه: أن يتوب الله عليه، وأن يعفو الله عنه، وأن يغفر له خطاياه. والمؤمن الصادق يطرق أبواب التوبة ويتعرض لأسباب المغفرة ويسلك سبل العفو، ومن أعظم هذه السبل سبيل الحج؛ فإن الحج يحط الخطايا حطا، ويمحق الذنوب محقا. وقد روى الإمام مسلم في قصة إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت ابسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه قال فقبضت يدي فقال ما لك يا عمرو قلت أردت أن أشترط قال تشترط ماذا قلت أن يغفر لي قال أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله ؟.
فالإسلام يهدم ما كان قبله من الكبائر والبلايا، والهجرة تهدم ما كان قبلها من المعاصي والرزايا، والحج يهدم ما كان قبله من الذنوب والخطايا. وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".
وأجاب من سأله عن فضل الحج بقوله: (أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك يكتب الله لك بها حسنة ويمحو عنك بها سيئة; وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول هؤلاء عبادي جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني فكيف لو رأوني فلو كان عليك مثل رمل عالج أو مثل أيام الدنيا أو مثل قطر السماء ذنوبا غسلها الله عنك; وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك; وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك). (رواه الطبراني وحسنه الألباني).
بشارتان للحجاج والمعتمرين
وبعد كل هذه الفضائل فلئن كان ثمة عجب فمن أناس يملكون المال والعافية والقدرة ثم يزهدون في الحج وينصرفون عنه، إما حرصا منهم على المال، أو خوفا من الفقر، أو زهدا فيما عند الله من الأجر. والأعجب من ذلك أناس ينفقون أموالهم في الأسفار إلى مختلف الأقطار، ويضن أحدهم على نفسه أن يذهب لقضاء فريضة الحج؛ ليسقط عن نفسه الإثم والمساءلة أمام الله. مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بشر المنفقين المال في الحج والعمرة ببشريين عظيمتين:
الأولى: أن النفقة في الحج ليست ضائعة، بل هي عند الله باقية يضاعفها لصاحبها أضعافا كثيرة، كما في حديث بريدة: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله؛ الدرهم بسبعمائة ضعف".[رواه الطبراني، وإسناده حسن].
وأما الثانية: فهي أعظم من الأولى، وأثلج لصدور الموقنين بكلامه عليه الصلاة والسلام، المسلمين لأخباره، المعتقدين صدقه وأنه لا ينطق عن الهوى؛ فقد أخبرهم أن كثرة النفقات في الحج والعمرة من أعظم أسباب الغنى، فقد روى أحمد والترمذي والنسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [تابعوا بين الحج وعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة.. وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة].
فريضة عمرية فبادروها
أجمع العلماء على أن الحج فريضة عمرية، أي أنه لا يتكرر (يعني وجوبه)، وأنه لا يجب في العمر إلا مرة، إلا أن يوجبه الإنسان على نفسه بنذر أو غيره، فيجب عليه وفاء لنذره. ومن كلام النبي عليه الصلاة والسلام، الذي رواه أحمد وغيره: "الحج مرة، فما زاد فهو تطوع".
فمن توفرت فيه شروط الحج وتيسرت له أسبابه فليبادر بأداء فريضة الله، فإن الحج عند كثير من العلماء واجب على الفور، فمن قدر عليه وأخره فهو (عندهم) آثم؛ وقد قال النبي صلوات الله وسلامه عليه: "تعجلوا الحج؛ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له". وقال: "من أراد الحج فليعجل؛ فقد يمرض المريض، وتضل الراحلة، وتكون الحاجة".
وقد قال تعالى قبل ذلك: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين)[آل عمران:133]، وقال: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)[الحديد:21].
نسأل الله العظيم أن يمن علينا وعلى كل مسلم بحج بيته الكريم، ولا يحرمنا وكل قارئ من هذا الفضل العميم.. آمين.