هل يشكل الإسلام خطرا على الغرب؟

5 1304

من الخطأ تفسير ما نشر في الصحافة الأوروبية من رسوم مسيئة للإسلام والمسلمين على أنه عارض سرعان ما سينطوي في الأيام القليلة القادمة، إذ لا ينبغي عزل ما حدث عن السياق التاريخي لموقف الأوروبيين الفكري والسياسي من الإسلام والمسلمين عموما والقرآن الكريم ورسول الله صلي الله عليه وسلم تحديدا.

فمن خلال استعراض كتابات "دوزيه" و"راينهارت" و"جولدزيهر" و"لامنس" وغيرهم كثير، سنلاحظ أن هؤلاء جميعا أنكروا الوحي الذي تنزل على محمد صلي الله عليه وسلم وأنكروا كذلك نبوته صلي الله عليه وسلم، بل وتطاولوا في كتبهم فسبوه وشتموه، وأنكروا دور المسلمين في أي إنجاز حضاري، وأكدوا أن سبب تخلف المسلمين هو الإسلام ذاته، ومعظم كتاباتهم في حقيقتها اتجهت نحو محاولة تقويض أساس العقيدة الإسلامية المتمثل في الكتاب الكريم والسنة الشريفة. إذن هذه الرسوم المسيئة في صحافتهم للإسلام والمسلمين، ينطبق عليها مقولة أن الإناء ينضح بما فيه.

لقد تحول موقف هؤلاء المستشرقين أمثال "دوزيه" و"راينهارت" و"جولدزيهر" وغيرهم، إلي موجة عنصرية مضادة لكل ما يمت للإسلام والمسلمين على أي صعيد كان.. سياسي ديني ثقافي اجتماعي.. الخ. وحدث هذا منذ عشرات السنين، ويخطئ خطأ كبيرا ذاك الذي يستهين بأعمال هؤلاء المستشرقين وما زرعوه في المخيال الأوروبي من حساسية وتوجس مفرطين من الإسلام والمسلمين.

وإلى جانب ذلك، هناك عوامل جديدة معقدة ومتشابكة سكبت الزيت على النار المشتعلة: هجرة المسلمين بأعداد كبيرة للعيش في الأقطار الأوروبية ومزاحمتهم للعمالة الأوروبية، وتداعيات ذلك الأمر على الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية، وكذا موقف المجموعة الأوروبية إزاء الصراع العربي الإسرائيلي وانحياز الأوروبيين بشكل عام للجانب الصهيوني، ومثال ذلك، قرار المجموعة الأوروبية بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية بعد فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية.

عبر الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون عن قلقه من الإسلام والمسلمين من خلال كتابين نشرهما منذ سنوات قريبة مضت، أولهما بعنوان "نصر بلا حرب"، وثانيهما "انتهزوا الفرصة"، يقول نيكسون في هذين الكتابين إنه بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ومعه سقوط الاشتراكية كحركة ومنظومة سياسية، سيواجه الغرب والولايات المتحدة خاصة "ماردا آخر"، هو الإسلام، فينبغي علي الولايات المتحدة أن تعمل ـ يقول نيكسون ـ وبسرعة على الإمساك بما أسماه بالريادة الروحية في العالم، وأن تعمل على عدم السماح لنماذج "التشدد الإسلامي"، حسب تعبيره، أن تجد فرصتها في هذا المجال.

كما ألمح "باري بوزان" من مركز دراسات السلام والصراع في جامعة كوبنهاجن في الدنمارك إلى تخوفه من أن تحصل بعض المجموعات الإسلامية المنظمة على أسلحة التدمير الشامل سواء كانت نووية أو بيولوجية، ولإكمال صورة التخوف الغربي، ربط نشاط العراق وليبيا وباكستان في المجال النووي خلال الثمانينات من القرن الماضي، بالإسلام والمسلمين، لذلك نجد "ستيف وايسمان" و"هربرت كروزني" يصدران كتابهما المعنون "القنبلة الإسلامية"، يحذران فيه الغرب من حماس هذه الدول للحصول على التقانة النووية، ويربطان حركة هذه الدول في هذا الاتجاه بالإسلام والمسلمين في العالم أجمع.

وما يعزز هذا القلق الغربي إزاء الإسلام والمسلمين، ذلك التهليل الذي اندلع في العالم الغربي للفكرة التي أطلقها في العام 1993، عالم السياسة الأمريكي الشهير "صمويل هانتنجتون" في مجلة الفورين افييرز حول صدام الحضارات، وإعادة تشكيل النظام العالمي من جديد، فاعتبر أن صدامات العالم الجديد لن تكون اقتصادية ولا سياسية، إنما ستكون حضارية في الدرجة الأولى، وبعد أن عدد سبع حضارات أساسية في العالم، خلص إلى القول بأن الصدام الحقيقي سيكون بين الإسلام والغرب عامة.

كذلك قامت في الثمانينات عشرات من المراكز البحثية في الولايات المتحدة وأوروبا لمتابعة "الظاهرة الإسلامية"، بينما كانت معظم المجلات والنشرات والأبحاث تركز في الماضي على ما أسمته بـ"التهديد الأحمر"، والذي يرمز إلى الحركة الشيوعية العالمية، إذا بها الآن تركز على ما تسميه بـ"التهديد الأخضر"، الذي يرمز إلى الإسلام.

كما نشطت اللجان الفنية التي شكلها حلف الناتو لدراسة الظاهرة الإسلامية، ومتابعة هذا الأمر في أوروبا الغربية، وخاصة بين الأتراك في ألمانيا، وفي فرنسا بين المغاربة والجزائريين، والمملكة المتحدة بين الباكستانيين والهنود والعرب.

كما تأسست بين دول حلف شمال الأطلسي، قنوات لتبادل المعلومات في هذا المجال، وتبع ذلك تنسيق في السياسات والإجراءات والقوانين ذات الصلة بالموضوع، وخاصة في مجالات الهجرة والتعليم والثقافة، لحماية الخصوصيات، الداخلية للمجتمع الأوروبي من المؤثرات الإسلامية. وانبثقت خلال ذلك مدارس فكرية غربية لمتابعة هذا الأمر:

مدرسة الأقلية: ويبرز فيها "جون إزبوزيتو"، الذي ينادي بضرورة تفهم الظاهرة الإسلامية، وأهمية فتح حوار معها بغية استيعابها وترشيدها.
ومدرسة الأكثرية: التي يبرز فيها عتاة الكتابة السياسية، أمثال "هنري كيسنجر" و"دانييل بايبس" و"مارتن كريمر" و"جون لوتواك" وهذه المدرسة تعادي بكل وضوح الإسلام وتنادي بالتعاون الغربي لاستئصال أية امتدادات له في الغرب أو تفشي "سياسي" له في قلب العالم العربي والإسلامي، هكذا نلاحظ وبصورة عامة ومن خلال ما ذكرناه، أن ثمة قلقا مشتركا ينتظم الغرب، بأقدار متفاوتة إزاء الإسلام والمسلمين.

الغرب السياسي كان عبر التاريخ ولا يزال من خلال تعامله مع العالم العربي والإسلامي، يروم الهيمنة على مقدرات المسلمين، وينزعج من الإسلام من حيث إنه يشكل للمسلمين إطارا مرجعيا يفرز في نهاية المطاف حركة "مستقلة" ونموذجا للتنمية "مستقل" عن الغرب، يجد قاعدته في أمة تعدادها يزيد على المليار ونصف المليار، تتوزع على رقعة واسعة من هذا الكوكب، تمتد من موريتانيا إلى اندونيسيا، وتتجمع في مناطق غنية بأحزمة المعادن الثمينة، النفط وغيره، وتبشر بأنساق تنموية جديدة وأسواق وصناعات مشتركة، ربما لا تخضع للتوجيه الغربي كما هو حاصل في اتفاقية منظمة التجارة العالمية.

تقول "هيلين دانكوس" الباحثة الفرنسية المعروفة، عندما كانت تحلل الأزمة الأفغانية، بأن الإستراتيجيات الأمريكية والأوروبية، ينبغي أن يعاد تصميمها من جديد لمواجهة ظاهرة "الصحوة الإسلامية"، التي ظهرت كقوة على الأرض، ومن الممكن أن تؤثر على ما تسميه "دانكوس" بالمجال النفطي الإسلامي، ويشمل هذا المجال حسب تعريفها، إقليم الخليج والجزيرة العربية. يوجد قلق غربي فعلي من ظهور الإسلاميين في هذا المجال النفطي الإسلامي، الذي يشكل إقليم الخليج والجزيرة العربية "قلبه"، حيث مكة وبيت الله الحرام، كمصدر روحي لاستقطاب هذا العالم الإسلامي مترامي الأطراف.

في محور مواز، سنلاحظ أيضا أن هناك نشاطا غربيا بارزا لإبعاد الإسلام تماما من التمكن في منطقة القلب من النظام الدولي، وخاصة في أوروبا، فالتدخل الغربي في البوسنة والهرسك وكوسوفا واتفاقية دايتون جاءت جميعها في توقيتها ومضمونها، مستهدفة إبعاد الإسلاميين هناك عن "مركز القرار" في البلقان.

أما في الشيشان فالمؤامرة الغربية على المسلمين كانت أوضح وأشنع، إذ تغاضي الغرب عن المذابح الرهيبة التي تعرض ومازال يتعرض لها المسلمون هناك على أيدي الروس دون أن نسمع همسة في إعلام الغرب عن حقوق أهل الشيشان، وكانت كل تدخلات الغرب في الموضوع مجرد حركات تمويه سياسي مفضوح.

هكذا إذن ترسخت القناعة بأن الغرب لا يتسامح إزاء تمكن الإسلام في منطقة "القلب" من النظام الدولي مهما كانت المبررات. نلاحظ أيضا في هذا المجال حساسية المجتمع الفرنسي من بضع طالبات مسلمات في المدارس الفرنسية عندما أصررن على ارتداء الحجاب، وكيف أن هذا الموضوع وصلت مناقشته إلى البرلمان والمحاكم، وكان موضوعا لتصريحات عديدة في وزارة الخارجية الفرنسية نفسها، وموضوعا لندوات عقدت في الجامعات الفرنسية، ألا يدل ذلك أيضا على أن ثمة حساسية من الإسلام؟

سنلاحظ أيضا أنه أثيرت ضجة في الدنمارك، وتحديدا، في مجالسها البلدية خلاصتها: لماذا يشتري المسلمون هناك منازل كثيرة؟ من يسمح لهم بذلك؟ وتتساءل الصحافة الدنماركية: لماذا لا توضع قيود على ذلك، خوفا من المؤثرات الثقافية للمسلمين على المجتمع الدنماركي؟ ألا يعكس أيضا حساسية مفرطة من الإسلام، وعدم استعداد للتعايش معه؟

إذن ما فائدة الحوار الذي يتشدقون به ويدعون له؟ وكيف يزعم الأوروبيون بأن مجتمعاتهم "علمانية"، ولا تمييز في قوانينها وفلسفتها الاجتماعية بين الأديان والأجناس والعناصر والأعراق؟ ولماذا يبيعون علينا بضاعة "علمانيتهم"؟

لا شك بأن الأقليات الإسلامية في ديار الغرب تعيش أزمة وغربة وتعاني من التضييق بأقدار متفاوتة وأشكال مختلفة، ومن يدرس هذه الحالة يدرك أن هذا الموضوع سيشهد انفجارات في المستقبل، ما لم يدرك الأوروبيون أبعاد هذه المشكلة، ليس في برلمانهم في ستراسبورغ فقط، بل في صحافتهم العنصرية حتى العظم.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة