تعدد الزوجات بين الشريعة والواقع

2 1119

· مؤرخ فرنسي يرى أن الغرب لا بد أن يبيح التعدد حلا لمشاكله الأخلاقي
· الإندونيسيات يطالبن بإباحته لمنع أزواجهن من الانحراف، والمصريات يعتبرنه حلا لمشكلة العنوسة
· القانون التونسي يحرم تعدد الزوجات ويبيح الزنا!
· موافقة الزوجة ليس شرطا في إتمام الزوج لزواجه الثاني وإن كان يحسن إخبارها

ما تزال قضية تعدد الزوجات من القضايا التي تشغل بال الكثيرين ، سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين ، بل إنها من الأمور التي شهدت جدلا واسعا بين علماء المسلمين أنفسهم سواء قديما أم حديثا ، ورغم اتفاقهم على مشروعيته إلا أن الخلاف بينهم انحصر في أسباب هذا التعدد وشروطه وحيثياته.
ففي مصر مثلا تحول مسلسل (الحاج متولي) الذي عرض في شهر رمضان الماضي -والذي رأى فيه البعض دعوة صريحة لتعدد الزوجات- إلى مادة للحديث بين الناس بمختلف فئاتهم وطبقاتهم الاجتماعية ، حيث يرى البعض أن التعدد أحد الحلول الرئيسية لمشكلة العنوسة التي تعاني منها ثلاثة ملايين فتاة تجاوزن سن الثلاثين، حسب آخر إحصائية للمركز القومي البحوث الاجتماعية والجنائية، لكن المسلسل أثار حفيظة العلمانيين واليساريين ودعاة التنوير وتحرير المرأة للهجوم على الإسلام وتعاليمه.
وفى تونس- وهى بلد إسلامي- يجرم القانون الوضعي واقعة الزواج الثانية، فقد نشرت الصحف هناك وقائع القبض على زوج بتهمة زواجه من امرأة ثانية وجدت معه في شقة الزوجية ، وأثناء المحاكمة نصح المحامي الزوج بأن يعترف بأن المرأة التي كانت معه هي في الحقيقة عشيقته، وليست زوجته فحكمت المحكمة بالبراءة !!

وفى إندونيسيا طالبت العديد من النساء بإلغاء القانون الذي تم وضعه في عام 1983، والذي ينص على عدم السماح للموظفين الحكوميين بالزواج من ثانية إلا بموافقة الزوجة الأولى، بعد الكشف عن أن عددا كبيرا من المسؤولين الحكوميين وكبار الموظفين بدؤوا في اتخاذ خليلات وصديقات، وإقامة علاقات غير شرعية !
وفي الوقت الذي تضع فيه بعض الدول المسلمة قيودا على التعدد، قد تصل إلى درجة التجريم ، فإن الغرب المسيحي - والذي ظل لقرون عديدة يعاني الأمرين بسب تحريم الزواج الثاني- بدأ يعترف بأخطائه، ويطالب بتعديل هذه القوانين بعد أن انتشرت حالات الزنا والسفاح والعشق تحت شعار زائف مثل الصداقة، فنجد المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون يقول: "إن مبدأ تعدد الزوجات (الشرقي!) نظام طيب لرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تأخذ به، ويزيد الأسرة ارتباطا، ويمنح المرأة احتراما وسعادة لا تراها المرأة في أوروبا، حيث تتزوج زواجا شرعيا ولا تقع في علاقات آثمة، ولست أدري على أي أساس يبني الأوربيون حكمهم بانحطاط ذلك النظام - نظام تعدد الزوجات - بل إنني أرى أن هناك أسبابا تحملني على إيثار نظام التعدد على ما سواه".

شروط التعدد
ويقول الداعية الإسلامي الشيخ محمد حسين عيسى: كثير من الأمم والملل قبل الإسلام كانوا يبيحون التزوج بالجم الغفير من النساء قد يبلغ العشرات، وقد يصل إلى المائة والمئات، دون اشتراط لشرط ولا تقييد بقيد، فلماء جاء الإسلام وضع لتعدد الزوجات قيدا وشرطا، فأما القيد فجعل الحد الأقصى للزوجات أربعا ، وقد أسلم غيلان الثقفي وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " اختر منهن أربعا وفارق سائرهن " .

وكذلك - كما يقول الشيخ عيسى- كان حال من أسلم عن ثمانية، وعن خمسة فقد نهاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يمسك منهن إلا أربعا، أما زواج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتسع فكان هذا شيئا خصه الله به لحاجة الدعوة في حياته، وحاجة الأمة إليهن بعد وفاته.
ويضيف: أما الشرط الذي اشترطه الإسلام لتعدد الزوجات فهو ثقة المسلم في نفسه أن يعدل بين زوجتيه أو زوجاته في المأكل والمشرب، والملبس والمسكن، والمبيت والنفقة، فمن لم يثق في نفسه بالقدرة على أداء هذه الحقوق بالعدل والسوية حرم عليه أن يتزوج بأكثر من واحدة، فقد قال تعالى (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) (النساء- 3) وقال عليه الصلاة والسلام "من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا- أو مائلا".

والميل الذي حذر منه هذا الحديث - كما يقول الشيخ عيسى- هو الجور على حقوقها، لا مجرد الميل القلبي، فإن هذا داخل في العدل الذي لا يستطاع، والذي عفا الله عنه وسامح في شأنه، قال سبحانه وتعالى : (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم، فلا تميلوا كل الميل) (النساء- 129)، ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقسم فيعدل ويقول : "اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك" يعني " بما لا يملكه " أمر القلب والميل العاطفي إلى إحداهن وكان إذا أراد سفرا حكم بينهن بالقرعة ، فأيتهن خرج سهمها سافر بها، وإنما فعل ذلك دفعا لوخز الصدور، وترضية للجميع.

حكمة التعدد
وعن حكمة الإسلام في تعدد الزوجات يقول الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف سابقا: إن تعدد الزوجات كان معروفا وسائدا في الشرائع الوضعية والأديان السماوية السابقة، والإسلام أقره بشرط ألا يزيد على أربع، وألا يخاف عدم العدل بينهن، قال الله تعالى : (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) (النساء- 3) وفي مشروعيته مصلحة للرجل، فمن المقرر أنه بحكم تكوينه مستعد للإخصاب في كل وقت من سنه العادي، وتتوق نفسه إلى المتعة ما دام في حال سوية.

ويواصل الشيخ عطية صقر قائلا: أما المرأة فبحكم تكوينها لا تستعد للإخصاب مدة الحمل، وهي أشهر طوال، ومدة الدورة وهي - في الغالب - ربع الشهر طيلة عمرها حتى تبلغ سن اليأس، كما أنها تعزف عن المتعة مدة الإرضاع التي قد تبلغ حولين كاملين، ولا ترغب فيها غالبا، أو تلح عليها إلا في فترة قصيرة جدا كل شهر حين تنضج البويضة، فكان من العدل والحكمة أن يشرع التعدد ما دامت هناك قدرة عليه وعدل فيه.

فالزوجة - كما يقول الشيخ - قد تكون غير محققة لمتعته كما يريد، إما لعامل في نفسه أو نفسها هي، ولا يريد أن يطلقها، وقد تكون عقيما لا تلد وهو يتوق إلى الولد شأن كل رجل، بل وكل امرأة، فيبقي عليها لسبب أو لآخر، أو قد تكون هناك عوامل أخرى تحقق له بالتعدد مصلحة مادية أو أدبية أو عاطفية يحب أن ينالها في الحلال بدل أن ينالها في الحرام ، كما أن في تعدد الزوجات مصلحة للمرأة أيضا إذا كانت عقيما أو مريضة، وتفضل البقاء في عصمة الرجل، لعدم الاطمئنان عليها إذا انفصلت ، وقد تكون محبة له يعز عليها أن تفارقه لشرف الانتساب إليه أو نيل خير لا يوجد عند غيره، وفيه مصلحة للمجتمع بضم الأيامى ورعاية الأيتام ، وخاصة في الظروف الاستثنائية، وبالتعفف عن الفاحشة والمخاللة، وكذلك بزيادة النسل في بعض البلاد، أو بعض الظروف التي تحتاج إلى جنود أو أيد عاملة، وإذا علمنا أن الرجل مستعد للإخصاب في كل وقت، وبتزوجه بعدة زوجات يكثر النسل جاز له أن يعدد الزوجات، لكن المرأة إذا حملت أو كانت في فترات الدم أو الرضاع لا تكون مستعدة للحمل مهما كثر اللقاء الجنسي بينها وبين زوجها الواحد .

استئذان الزوجة
ولكن هل يجب على الزوج استئذان زوجته عند رغبته في الزواج بأخرى؟
يقول الشيخ محمد حسين : إن سيدنا علي (رضي الله عنه) أراد أن يتزوج على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وكان علي قد رغب في الزواج من بنت أبي جهل، فلم يرض النبي صلى الله عليه وسلم وبين النبي السبب وهو ألا يجتمع تحت رجل واحد بنت رسول الله وبنت أبي جهل عدو الله ، ولكن عندما توفيت السيدة فاطمة تزوج علي بأكثر من امرأة، وجمع بينهن؛ لأن المبرر لم يعد قائما، ومن هذه القصة نعلم أن عليا لم يقم بالزواج إلا بعد الاستئذان، وهذا من باب حسن السلوك، وليس واجبا، ولا فرضا شرعيا، ولكن تأسيا بعلي (رضي الله عنه) ومن مثل هذه الواقعة ندرك أنه يحسن للزوج أن يبين لزوجته وأن يخبرها بالأسباب ؛ لتعينه على أن تستمر معه، ولكن ليس حقا لها، ولا تملك منعه.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة