من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه

2 2085

في حديث عظيم من جوامع الكلم , بين النبي صلى الله عليه وسلم معلما من معالم النجاة , وأمارة من أمارات حسن الإسلام , ليزن العبد بها نفسه , ويعرف مدى قربه أو بعده عن الطريق المستقيم , والحديث رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )

فهذا الحديث قد جمع معان عظيمة لا غنى للمسلم عن فهمها وامتثالها ، وهو أصل عظيم من أصول الأدب , ولذا عده بعض أهل العلم ثلث الإسلام أو ربعه , وذكر ابن القيم رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الورع كله في هذا الحديث , فهو يضع للعبد قاعدة عظيمة فيما يأتي وما يدع ، وفيه تنبيه على الركن الأول في تزكية النفس وتربيتها ، وهو جانب التخلية بترك ما لا يعني ، الذي يلزم منه الركن الثاني وهو التحلية بالانشغال بما يعني .

الناس قسمان :

فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن ترك ما لا يعني من أسباب حسن إسلام المرء , وهذا يعني أن الناس ينقسمون في الإسلام إلى قسمين كما دل عليه الحديث : فمنهم المحسن في إسلامه ومنهم المسيء , فمن قام بالإسلام ظاهرا وباطنا فهو المحسن الذي قال الله فيه : { ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا } ( النساء 125) , ومن لم يقم به ظاهرا وباطنا فهو المسيء , ومن علامات حسن الإسلام انشغال المرء بما يعنيه وتركه ما لا يعنيه , ومفهوم الحديث : أن انشغال الإنسان بما لا يعنيه من علامات سوء إسلامه .

ومما يدل على معنى الحديث , أن الله وصف الله المؤمنين بالإعراض عن اللغو في غير ما آية من كتابه قال سبحانه : {والذين هم عن اللغو معرضون } ( المؤمنون 3) . واللغو هو الباطل , ويشمل الشرك والمعاصي وكل ما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال والاهتمامات , ومن اللغو الاشتغال بما لا يعني من أمور الناس .

وقد جاءت الأحاديث بفضل منزلة حسن الإسلام ، ومن ذلك ماجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وكل سيئة يعملها تكتب بمثلها حتى يلقى الله ) .

فقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما لا يعنيه ) أي : ما لا يهمه ولا يفيده في دينه ولا دنياه , ويدخل في الأمور التي لا تعني المحرمات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها الإنسان .

والضابط في معرفة ما يعني الإنسان مما لا يعنيه هو الشرع , وليس الهوى , فإن كثيرا من الناس قد يحلو له أن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , بدعوى أن ذلك من التدخل في خصوصيات الآخرين , وأن ذلك مما لا يعني الإنسان , وقد يستدل بهذا الحديث على فهمه السيئ , وهذا من الخطأ واختلاط المفاهيم في هذه القضية , روى أبو داود أن أبا بكر رضي الله عنه قام في الناس خطيبا , فحمد الله وأثنى عليه , ثم قال : يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } ( المائدة 105) , وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب )، وفي رواية: وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب ) , ومما يعني الإنسان أيضا شؤون المسلمين وقضاياهم , ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم .

فهذا الحديث معيار وعلامة يعرف بها حسن الإسلام من ضده ، وأسباب كل منهما , وتزداد الحاجة لفهم هذا الحديث والعمل بمقتضاه , في زمن تزاحمت فيه الواجبات ، واختلطت فيه الأولويات ، فكانت الخطوة الأولى , هي تركيز الاهتمام فيما ينفع ، وترك كل ما لا يعني ، وهو ملحظ تربوي مهم , ينبغي أن يراعيه العبد في تربية نفسه والآخرين. 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة