- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
قصص القرآن هو أحسن القصص "نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن".. ويتميز قصص القرآن عن غيره بأنه:
صدق لا كذب فيه.. "ما كان حديثا يفترى".
حق لا باطل فيه.. " إن هذا لهو القصص الحق".
وواقع لا خيال فيه.. " تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك".
ومن فوائد قصص القرآن: أنه جاء ليثبت قلوب المؤمنين.. حينما يروا عاقبة المؤمنين وعواقب الظالمين "وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك".
وأنه جاء لأخذ العبرة والاستفادة "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب". "فاعتبروا يا أولي الأبصار".
ومن القصص التي ذكرها الله في كتابه قصة موسى وفرعون، وهي قصة عظيمة وفيها فوائد كثيرة، ودروس وفيرة، ولذلك عرضها القرآن مرات ومرات في أكثر القرآن وتناولها من جهات متعددة حتى بلغ ذكر فرعون في القرآن حوالي 70 مرة وذكر موسى قريبا من 135 مرة.
وقصة فرعون وموسى تدور حول موضوع خطير تعيشه أمة الإسلام بين الحين والآخر وهو موضوع الاستضعاف وكيف يمكن أن ينتقل منه إلى مرحلة التمكين، ولذلك لم يحدثنا القرآن عن اسم فرعون ولا عن عائلته، وإنما حدثنا عن ظلمه وبطشه ليبقى رمزا للظلم والفساد والاستبداد ورمزا للطغيان في كل مكان وفي كل زمان، إذ لا فرق كبير بين طغيان واستبداد اليوم والأمس أو قبل عشرات القرون والأعوام إلا في الوسائل والآلات.
القصة تتحدث عن أمة مستضعفة ذليلة، وقيادة متكبرة متجبرة تسومها أنواع الخسف وألوان القهر وصنوف العذاب.
سلطة غاشمة ظالمة متمثلة في فرعون وقيادته الفاسدة، وحكومته الطاغية، ونظامه الذي أذل الأنفاس، وكبت الأحلام، وحطم الآمال، وأضاع الأموال، وملأ النفوس باليأس القاتل فترة حكمه الطويل.
" إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين"
ويكفي القارئ للقصة أن يقرأ وصف الله لفرعون بالعلو والطغيان ليعلم مدى ما وصل إليه ذلك المفسد في الأرض: "إن فرعون علا في الأرض" ، "اذهب إلى فرعون إنه طغى".
وقبل أن ندخل في تفاصيل القصة لا بد أن نتساءل: ما الذي جعل فرعون يصل إلى مثل هذا الطغيان..
هناك أسباب لا بد ... من أهمها:
الملك:
لأن أبهة الملك تنسي الطغاة أصلهم وتخدعهم قوتهم وسطوتهم، فيحسبون أنهم يفعلون ما يشاءون، ولا يكون إلا ما يريدون، وأنهم على كل شيء قادرون... وربما يزداد الطغيان فينسى المسكين ربه الرحمن ويدعي أنه هو رب العالمين كما فعل النمرود مع إبراهيم "ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك"، فأخبر سبحانه أن العلة في دعواه هي إتيان الملك، وقد نقل ابن كثير عن بعضهم قوله: أنه ملك أربعمائة سنة والعلم عند الله.
وهو عين ما قاله فرعون: "فحشر فنادى ، فقال أنا ربكم الأعلى"، وقال: "وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري".
البطانة الفاسدة:
أعني بطانة السوء: وهم مجموعة السحرة والحواة، وشلة المنتفعين الذين يلتفون حوله ويسبحون بحمده، ويزينون له فعله وينافقونه لأجل تحصيل منافعهم، فهم كالقراد الذي يقتات على دم البعير، أو على بدن الكلب إذا فارقه مات. فبقاؤهم مرتهن ببقائه كما أن هلاكهم في هلاكه؛ فهم يحفظونه ويحفظون نظامه حتى لا يسقط فيسقطون معه.
هذه البطانة: ستجد فيها الإعلام المضلل، الذي يطبل للزعيم ويهلل ويضلل الشعوب بعدم نقل الحقائق فهو لا ينقل إلا ما يريده فرعون ونظامه ويخدر الشعوب بما يبث من شهوات وفجور ليلهي الناس عما يدور حولهم وعن المطالبة بحقوقهم.
ستجد في هذه البطانة هامان: يد فرعون اليمنى التي يسير بها نظامه، وزير الظلم، الذي يسحق الناس ليركعوا للإله الصغير ويسبحوا بحمده، ويلوح بعصاه لكل من تسول له نفسه أن يرفع رأسه ليطالب بحقه أو حتى يتحرك لسانه ليرفع مظلمة أو يشكو من ظلمه.
ستجد فيها أيضا قارون: رجل الأعمال المتغول الذي يلازم الفرعون، ويسخر جزءا من ماله لتلميع صورة النظام وخدمة فرعون فينفق على الدعايات، ويشتري أصوات المؤيدين، ويلمع صورة الملك.. فيفتح له الملك الباب ليمتص دم الشعب، ويحتكر قوته، فكل يوم يزداد قارون تغولا وثراء، ويزداد الشعب فقرا وفاقة وذلا وحاجة، ولكن قارون لا يشبع وإن بلغت مفاتيح خزائن أمواله من الكثرة أن العدد الكبير من أصحاب القوة لا يستطيعون حملها "وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة".
ستجد في هذه البطانة أيضا: الكاهن الذي يمثل رجل الدين المنافق عليم اللسان، لأن فرعون يحتاجه أيضا لإكمال الصورة، فهو سيحتاج أن يحلل ويحرم ويمنع أصوات الاعتراض باسم الدين، ويرد على هؤلاء الذين يطالبون بعبادة الله وحده دون التسبيح بحمد فرعون.
ورحم الله بن المبارك إذ يقول:
وهل أفسد الدين إلا الملوك .. .. وأحبار سوء ورهبانها
فباعوا النفوس ولم يربحوا .. .. ولم تغل في البيع أثمانها.
خنوع الشعب:
المتمثل في قبول الذل، والرضا بالقهر، وعدم التخلص مما هم فيه، استخفهم فأطاعوه... سكت الناس عن الظلم، ولم يأمروا بمعروف ولم ينهوا عن المنكر... فعاقبهم الله.
كما جاء في سنن الترمذي عن أبي بكر قال صلى الله عليه وسلم: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده". " قال ت حسن صحيح".
وفي مسند أحمد عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم" صححه أحمد شاكر.
فلما بلغ فرعون من البغي ما بلغ أراد الله أن يجري سنته في إهلاك المتكبرين والمتغطرسين ولكن بعد قطع العذر بإقامة الحجة وإرسال الرسول فأرسل إليه نبيه وكليمه موسى عليه السلام لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل التغيير.