موطأ مالك

4 3043

أول كتاب حديث وصل إلينا كاملا ومرتبا على أبواب العلم هو موطأ الإمام مالك رحمه الله ، وقد وضع الله له القبول في نفوس الناس ، والموطأ من أجل الكتب التي ألفت في عصر الإمام مالك وأعمها نفعا ، وقد فضله الشافعي على كل ما صنف في الحديث إلى وقته ، حيث قال : ما على أديم الأرض بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك .

ولعل الإمام مالك هو أسبق علماء الحديث في وضع ما عرف بفن الحديث ، فإنه لا يكاد يعرف من سبقه في نقد الرواة والتشدد في الأخذ عن الرواة والعلماء ، وقد جمع الإمام مالك في موطئه ما صح عنده من حديث وتفسير وتاريخ ، وذكر أقوال الصحابة والتابعين والأئمة قبله.

درجة الموطأ بين كتب الحديث :

تأتي مرتبة الموطأ بعد الصحيحين - صحيح البخاري وصحيح مسلم - في الصحة في رأي جمهور المحدثين .

من هوالإمام مالك :

هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، إمام دار الهجرة وأجل علمائها ، ولد بالمدينة المنورة عام (93 هـ)، وتوفي بها (179هـ) ، وكان أبوه رضي الله عنه راوية للحديث .

تلقى الإمام مالك العلم من كبار العلماء والفقهاء من التابعين ، وسمع كثيرا من الزهري، حتى إنه يعتبر من أشهر تلاميذه ، كما سمع من نافع مولى ابن عمر ، واشتهر بالرواية عنه حتى أصبحت روايته عنه تسمى بالسلسلة الذهبية ، وهي مالك عن نافع عن ابن عمر ، وما زال دائبـا على العلم وتحصيله حتى أصبحت له الإمامة في الحجاز ، وأطلق عليه عالم المدينة، وإمام دار الهجرة، وانتشر صيته في الآفاق ، فهرع إليه أهل العلم من مختلف بقاع الأرض، وكان يعقد مجلسـا للحديث في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في وقار وأدب وحشمة ، لا يرفع صوته فيه إجلالا للرسول صلى الله عليه وسلم .

سبب تأليف الموطأ :

يروى في سبب تأليف الموطأ أن المنصور لما حج اجتمع بالإمام مالك وسمع منه الحديث والفقه وأعجب به ، فطلب منه أن يدون في كتاب ما ثبت عنده صحيحـا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسائل العلم ، وطلب أن يوطئه للناس ، أي يجعله سهل التناول ، فاستجاب الإمام مالك لطلب المنصور ، وصنف كتابه العظيم الموطأ .

عناية الإمام مالك بالموطأ :

عني الإمام مالك بالموطأ عناية فائقة حتى قالوا : إنه مكث فيه أربعين سنة ينقحه ويهذبه ، وقد أخذه عنه الأوزاعي في أربعين يومـا ، فقال مالك : كتاب ألفته في أربعين سنة أخذتموه في أربعين يومـا ، ما أقل ما تفقهون فيه .

قال مالك : عرضت كتابي هذا على سبعين فقيهـا من فقهاء المدينة ، فكلهم واطأني عليه فسميته الموطأ ، فقيل لهذا سمي الموطأ ، وقيل إنه سمي الموطأ ، لأن المنصور قال له : وطئه للناس أي اجعله سهل التناول ، والموطأ أي الممهد المنقح .

وقد روى الموطأ عن مالك بغير واسطة أكثر من ألف رجل ، وضرب الناس فيه أكباد الإبل من أقاصي البلاد ، منهم الأئمة المبرزون ، ومنهم الفقهاء المجتهدون ، ومنهم الملوك والأمراء كالرشيد وابنيه .

احترام الإمام مالك للخلاف :

لما حج الخليفة هارون الرشيد سمع الموطأ من الإمام مالك، فرغب أن يعلقه في الكعبة ويحمل الناس على العمل بما جاء به ، فأجابه الإمام مالك رحمه الله : لا تفعل يا أمير المؤمنين ، فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ اختلفوا في الفروع وتفرقوا في البلاد ، وكل مصيب ، فعدل الرشيد عن ذلك . رواه أبو نعيم في الحلية .

وقال ابن كثير: وقد طلب المنصور من الإمام مالك أن يجمع الناس على كتابه فلم يجبه إلى ذلك وذلك من تمام علمه واتصافه بالإنصاف ، وقال : إن الناس قد جمعوا واطلعوا على أشياء لم نطلع عليها .

عدد ما في الموطأ من آثار :

قال أبو بكر الأبهري: جملة ما في الموطأ من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين ألف وسبعمائة حديث وعشرون حديثـا ، المسند منها ستمائة حديث ، والمرسل مائتان واثنان وعشرون حديثـا ، والموقوف ستمائة وثلاثة عشر حديثـا ، ومن قول التابعين مائتان وخمسة وثمانون حديثـا .

وبعض العلماء يعد أحاديث الموطأ أكثر ، وبعضهم يعدها أقل ، والسبب في ذلك أن رواة الموطأ عن الإمام مالك كثيرون ، ويوجد عند بعضهم ما لا يوجد عند الآخر ، وقد تيسر في عصرنا لعلماء الحديث الإطلاع على النسخ التي تمثل الروايات المختلفة .

وقد جمع الشيخ الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي ما في النسخ المختلفة ، فبلغت أحاديث الموطأ (1852) حديثـا ، وأشهر رواة الموطأ هو يحيى بن يحيى الليثي ، وإذا أطلق في عصرنا موطأ الإمام مالك فإنما ينصرف لها .

شروح الموطأ :

اهتم العلماء وما زالوا يتناولون الموطأ ، دراسة وشرحـا وتخريجـا ، ومن أهم شروحه :

1- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ، والاستذكار في شرح مذاهب أهل الأمصار : والاستذكار مختصر من التمهيد ، وكلاهما لحافظ المغرب الإمام أبي يوسف عمر بن عبد البر ، توفي (463هـ) رحمه الله تعالى .

2- كشف المغطا في شرح الموطأ وتنوير الحوالك : وهو مختصر لما قبله ، وكلاهما للحافظ السيوطي .

3- شرح الزرقاني : واسمه محمد بن عبد الباقي الزرقاني المصري المالكي ، توفي (1014هـ)، وشرحه شرحـا وسطـا .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة