- اسم الكاتب: القاهرة ـ نور الهدى سعد
- التصنيف:أب .. وأم
هي زميلة دراسة، وديعة كالنسمة، تلقت تعليمها ما قبل الجامعي في مدرسة فرنسية، ومع ذلك فقد كانت ملتزمة بحجاب بسيط، وقراءات دينية عرفت منها الحد الأدنى الذي يجب أن تعرفه، ولم يغير فيها التعليم الفرنسي شيئا من قيمها، غير أنها صارت أدق وأكثر حرصا على الإنجاز السريع - على حد قولها - وكانت دائما تشيد بدور المدرسة في هذا الأمر، وتردف بأسى: المفروض أن نتعلم هذا وأكثر منه في مدارسنا الإسلامية.
أنهينا دراستنا الجامعية، وتفرقت بنا سبل العمل، وكانت آخر مرة زرتها فيها يوم تهنئتها بزواجها، انقطعت أخبارها عني تسع سنوات، حتى فوجئت باتصال تليفوني منها في عملي تطلب لقائي، قابلتها فلم أجد شيئا في دماثتها ورقتها ودأبها قد تغير، لمحت فقط مسحة حزن عميق على وجهها تحاول مداراتها بالضحك، وهي تتذكر بعض مواقف دراستنا المشتركة .. سألتها عن أخبار أسرتها، وهل ما زالت تسكن إحدى المدن الجديدة؟ فقالت: لدي طفلان.. وأقيم مع أمي.. لم تنتظر حتى أسألها: لماذا.. وحكت:
منذ أول شهور زواجي، وزوجي دائم الإقامة عند والدته، ويلح علي لأقيم مع أمي بمختلف الحجج، في البداية أرجعت هذا لتعلقه الشديد بأمه، ولكن الأمر تجاوز حده، فقد صرت لا أقيم في بيتي أكثر من يومين كل شهر، وأصبحت حقيبة السفر التي كانت رابضة فوق الدولاب، موضوعة أسفل السرير، تأهبا لمغادرة البيت في أي وقت، ناقشته فقال: تغيير، ألا تحبين التغيير؟! استخدمت كل وسائلي لإقناعه بغرابة موقفه فلم ينلني منه سوى السخرية والاتهام بأنني زوجة غير مطيعة، استسلمت لقدري حرصا على مصلحة ابني وابنتي، ولكن ما حدث مؤخرا جعلني أبحث عن فرصة عمل تعينني على الإنفاق على ابني وابنتي، بعد أن امتنع زوجي عن الإنفاق عليهما، واشترط لرجوعي إلى بيتي أن أعتذر له، ولا أعرف عن ماذا، وأن أنفق على الولد والبنت، قلت في نفسي: ما دمت أنفق عليهما أصلا ، فالأفضل أن أعود إلى بيتي، استخرت الله فلم أسترح، وتذكرت تصرفاته معي وتصيده لهفواتي، وسوء معاملته لي.. فقررت البقاء، فبيت أمي أرحم في كل الأحوال.
سألتها: أهو وحيد أمه، فقالت: نعم.. على خمس بنات كلهن متزوجات، اتضحت الصورة أمامي، بعد أن كنت قد ألححت على زميلتي في السؤال عن مبررات ما يفعله فكانت تجيب بأسبابه هو التي يعلنها، فأجدها أسبابا تافهة لا تصمد أمام حب الرجل لزوجته، واستعداده للتسامح معها، وتناسي أخطائها الصغيرة التي تحدث - عفوا - في بداية الزواج نتيجة صعوبة التكيف مع الحياة الجديدة أو تحمل مسئولية الزواج دفعة واحدة، كانت مبررات الزوج القوية - من وجهة نظره - أن حوض الحمام كان أغلب الوقت متسخا، وأن جواربه لم تكن تغسل باتقان.
أي زوج آخر كان سيتحمل وينصح، ويتغاضى.. وإن فاض به الكيل فقد يخاصم أو يعنف، ولكنه لن يهجر البيت، ويمتنع عن تحمل مسئولية طفليه، ولكن وحيد أمه الذي اعتاد أن تكون أحلامه أوامر، وأن يجد كل شيء طوع يمينه، وألا يكون هناك أدني نقص فيما يريده، لن يتغير بسهولة حين يصبح زوجا.. مسئولا .
بعد انصراف زميلة دراستي تمنيت أن أسأل أم زوجها: أيسعدك أن ابنك زوج ولا زوج؟
أيسرك أن يظل في حضنك حتى بعد أن صار أبا لطفلين؟ أيبهجك أن يظل - بعد زواجه - طفلك الوحيد المقرب المدلل، ولو على حساب حياته وطفليه؟
ربما أجابتني.. بنعم؟ ولكنها ستكون: نعم مترددة من باب الكبر.. واستعظام الاعتراف بالخطأ، ولكنها في قرارة نفسها، ربما تتمنى أن يعود الزمن إلى الوراء، فتعامل ابنها بشكل مختلف يؤهله; لأن يكون زوجا ورب أسرة ناجح، لا ملكا متوجا بلا مملكة، ولا عرش سوى مشاعر زوجته وآدميتها وحقوقها وحقوق أبناء أبرياء.
جميل أن نحب أولادنا.. وأجمل أن نعرف كيف؟ فكم من بيوت هوت لأن فيها رجالا ، بالعمر فقط، ولكنهم في عيون أمهاتهم ما زالوا أطفالا مدللين.. الابن الوحيد نعمة من الله، بعض الأمهات يحولنه إلى نقمة على زوجته حين يقتلن فيه رجولته ومسئوليته وقوامته من فرط الخوف والحماية والتدليل، ويرين كل مقومات رجولته ذبابة متطفلة ترفض الرحيل عن وجهه فيضربنها بقوة، ليقتلنها ويقتلنه أيضا!