- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:أحوال القلوب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه سيدنا محمد بن عبد الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فقد تكلمنا في مقال سابق عن سبعة أسباب لعلاج الهموم والغموم ، وفي مقالنا هذا نكمل الحديث عن مزيد من العلاجات النافعة بإذن الله تعالى لطرد الهموم ومعالجتها إن وقعت وهي:
ثامنا: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
وهي من أعظم ما يفرج الله به الهموم،روى الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه رضي الله عنه قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثاالليل قام فقال: "يا أيها الناس اذكروا الله، اذكرواالله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بمافيه، جاء الموت بما فيه". قال أبي قلت: يا رسول الله،إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: "ماشئت: قال: قلت: الربع؟ قال: "ما شئت فإن زدت فهو خير لك"قلت: النصف؟ قال:"ما شئت فإن زدت فهو خير لك". قال: قلت:فالثلثين؟ قال: "ما شئت فإن زدت فهو خير لك". قلت:أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: "إذا تكفى همك ويغفر لكذنبك ".
تاسعا: التوكل على الله عز وجل وتفويض الأمر إليه
)فمن علم أن الله على كل شيء قدير، وأنه المتفرد بالاختياروالتدبير. وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه، وأنه أعلم بمصلحة العبد منالعبد، وأقدر على جلبها وتحصيلها منه، وأنصح للعبد منه لنفسه وأرحم به منه بنفسه، وأبربه منه بنفسه. وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي تدبيره خطوة واحدة ولايتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة، فلا متقدم له بين يدي قضائه وقدره ولا متأخر، فألقىنفسه بين يديه وسلم الأمر كله إليه، وانطرح بين يديه انطراح عبد مملوك ضعيف بين يديملك عزيز قاهر، له التصرف في عبده بما شاء ، وليس للعبد التصرف فيه بوجه من الوجوه، فاستراح حينئذ من الهموم والغموم والأنكاد والحسرات. وحمل كل حوائجه ومصالحه منلا يبالي بحملها ولا يثقله ولا يكترث بها. فتولاها دونه وأراه لطفه وبره ورحمتهوإحسانه فيها من غير تعب من العبد ولا نصب ، ولا اهتمام منه، لأنه قد صرف اهتمامهكله إليه وجعله وحده همه. فصرف عنه اهتمامه بحوائجه ومصالح دنياه ، وفرغ قلبه منها، فما أطيب عيشه وما أنعم قلبه وأعظم سروره وفرحه.
وأما من أبى إلا تدبيره لنفسهواختياره لها واهتمامه بحظه دون حق ربه، خلاه وما اختاره وولاه ما تولى، فحضره الهموالغم والحزن والنكد والخوف والتعب، وكسف البال وسوء الحال ، فلا قلب يصفو، ولا عمليزكو، ولا أمل يحصل ، ولا راحة يفوز بها ، ولا لذة يتهنى بها، بل قد حيل بينه وبينمسرته وفرحه وقرة عينه . فهو يكدح في الدنيا كدح الوحش ولا يظفر منها بأمل ولايتزود منها لمعاد)
وأما من أبى إلا تدبيره لنفسهواختياره لها واهتمامه بحظه دون حق ربه، خلاه وما اختاره وولاه ما تولى، فحضره الهموالغم والحزن والنكد والخوف والتعب، وكسف البال وسوء الحال ، فلا قلب يصفو، ولا عمليزكو، ولا أمل يحصل ، ولا راحة يفوز بها ، ولا لذة يتهنى بها، بل قد حيل بينه وبينمسرته وفرحه وقرة عينه . فهو يكدح في الدنيا كدح الوحش ولا يظفر منها بأمل ولايتزود منها لمعاد)
(ومتى اعتمد القلب على الله ،وتوكل عليه ، ولم يستسلم للأوهام ولا ملكته الخيالات السيئة ، ووثق بالله وطمع فيفضله ، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم ، وزالت عنه كثير من الأسقام القلبيةوالبدنية ، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه ،والمعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوية للقلب ،الدافعة لقلقه ، قال تعالى: { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } أي كافيه جميع ما يهمهمن أمر دينه ودنياه، فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام ، ولاتزعجه الحوادث لعلمه أن ذلك من ضعف النفس ومن الخور والخوف الذي لا حقيقة له ،ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة، فيثق بالله ويطمئنلوعده ، فيزول همه وقلقه ، ويتبدل عسره يسرا ، وترحه فرحا، وخوفه أمنا فنسأله تعالىالعافية وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته بالتوكل الكامل الذي تكفل الله لأهلهبكل خير،ودفع كل مكروه وضير).
عاشرا : ومما يدفع الهم والقلق الحرص على ما ينفع واجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر ، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل ، وعن الحزن علىالوقت الماضي،ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن، فالحزن علىالأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها والهم الذي يحدث بسببه الخوف منالمستقبل ، فيكون العبد ابن يومه ، يجمع جده واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر ،فإن جمع القلب على ذلك يوجب تكميل الأعمال، ويتسلى به العبد عن الهم والحزن والنبيصلى الله عليه وسلم إذا دعا بدعاء أو أرشد أمته إلى دعاء فهو يحث مع الاستعانةبالله والطمع في فضله على الجد والاجتهاد في التحقق لحصول ما يدعو لدفعه لأن الدعاءمقارن للعمل ، فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا ، ويسأل ربه نجاح مقصده. ويستعينه على ذلك كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ماينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلاتقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان ".
فجمع صلى الله عليه وسلم بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال والاستعانةبالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار وبين الاستسلام للأمور الماضيةالنافذة ، ومشاهدة قضاء الله وقدره وجعل الأمور قسمين : قسم يمكن للعبد السعي فيتحصيله أو تحصيل ما يمكن منه ، أو دفعه أو تخفيفه فهذا يبدي فيه العبد مجهودهويستعين بمعبوده. وقسم لا يمكن فيه ذلك ، فهذا يطمئن له العبد ويرضى ويسلم ، ولاريب أن مراعاة هذا الأصل سبب للسرور وزوال الهم والغم.
والحديث المذكور يدل على السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التيلا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال ، وأن ذلك حمقوجنون ، فيجاهد قلبه عن التفكر فيها وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله ، ممايتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته . فيعلمأن الأمور المستقبلة مجهول ما يقع فيها من خير وشر وآمال وآلام ، وأنها بيد العزيزالحكيم ، ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها، ودفع مضراتها ويعلمالعبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره ، واتكل على ربه في إصلاحه ،واطمأن إليه في ذلك صلحت أحواله ، وزال عنه همه وقلقه.
الحادي عشر : الإكثار من ذكر الله
فإن لذلك تأثيرا عجيبا في انشراح الصدر وطمأنينته ، وزوالهمه وغمه ، قال الله تعالى: { ألا بذكر الله تطمئن القلوب}[الرعد:28].
وأعظم الأذكارلعلاج الهم العظيم الحاصل عند نزول الموت : لا إله إلا الله، وذلك لما حدث بهطلحة عمر رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليهوسلم يقول: "كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا فرج الله عنه كربته وأشرق لونه". فما منعني أن أسألهعنها إلا القدرة عليها حتى مات فقال له عمر رضيالله عنه: إني لأعلمها، فقال له طلحة: وما هي؟ فقال لهعمر رضي الله عنه: هل تعلم كلمة هي أعظم من كلمةأمر بها عمه لا إله إلا الله؟ فقال طلحة هي والله هي.
الثاني عشر: اللجوء إلى الصلاة
قال الله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة }[البقرة:45].
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى اللهعليه وسلم إذا حزبه أمر صلى". ولما بلغ ابن عباس رضي الله عنه وفاة أخيه نزل على جانب الطريق يصلي –وكان في سفر- امتثالا لأمر الله.
الثالث عشر : ومما يفرج الهم أيضا الجهاد في سبيل الله
كما قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم".
الرابع عشر : التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة
فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الهم والغم ، ويحث العبد على الشكر الذي هو أرفع المراتب وأعلاها حتى ولوكان العبد في حالة فقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا . فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه التي لا تحصى ولا تعد وبين ما أصابه من مكروه ، لم يكن للمكروه إلى النعم نسبة، بل المكروه والمصائب إذا ابتلى الله بها العبد ، وأدى فيها وظيفة الصبر والرضى والتسليم ، هانت وطأتها ، وخفت مؤنتها ، وكان تأميل العبد لأجرهاوثوابها والتعبد لله بالقيام بوظيفة الصبر والرضا، يدع الأشياء المرة حلوة فتنسيهحلاوة أجرها مرارة صبرها.
ومن أنفع الأشياء في هذا الموضع استعمال ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من هوأسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فإنه أجدرأن لا تزدروا نعمة الله عليكم".
ومن أنفع الأشياء في هذا الموضع استعمال ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من هوأسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فإنه أجدرأن لا تزدروا نعمة الله عليكم".
فإن العبد إذا نصب بينعينيه هذا الملحظ الجليل، رأى نفسه يفوق ـ قطعا ـ كثيرا من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه مهما بلغت به الحال ، فيزول قلقه وهمه وغمه ، ويزداد سرورهواغتباطه بنعم الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها، وكلما طال تأمل العبدفي نعم الله الظاهرة والباطنة ، الدينية والدنيوية ، رأى ربه قد أعطاه خيراكثيرا ودفع عنه شرورا متعددة ، ولا شك أن هذا يدفع الهموم والغموم ، ويوجب الفرح والسرور.
الخامس عشر : الانشغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة
فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمرالذي أقلقه. وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم ، ففرحت نفسه ،وازداد نشاطه ، وهذا السبب أيضا مشترك بين المؤمن وغيره . ولكن المؤمن يمتازبإيمانه وإخلاصه واحتسابه في اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه، ويعملالخير الذي يعمله ، إن كان عبادة فهو عبادة وإن كان شغله دنيويا أو عادة دنيوية أصحبها النية الصالحة ، وقصد الاستعانة بذلك على طاعة الله ، فلذلك أثره الفعال فيدفع الهموم والغموم والأحزان ، فكم من إنسان ابتلي بالقلق وملازمة الأكدار ، فحلتبه الأمراض المتنوعة فصار دواءه الناجح: نسيانه السبب الذي كدره وأقلقه، واشتغاله بعمل من مهماته.وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه؛ فإن هذا أدعى لحصول هذا المقصود النافع والله أعلم.
السادس عشر: النظر إلى الجوانب الإيجابية للأحداث التي يظهرمنها بعض ما يكره
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر".
ومن فوائد هذا الحديث: زوال الهم والقلق وبقاء الصفاء ، والمداومة على القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة وحصول الراحة بين الطرفين ، ومن لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بل عكس القضية فلحظ المساوىء ، وعمي عن المحاسن ، فلا بد أن يقلق ، ولابد أن يتكدر مابينه وبين من يتصل به من المحبة ، ويخل بكثير من الحقوق التي على كل منهماالمحافظة عليها.
ومن فوائد هذا الحديث: زوال الهم والقلق وبقاء الصفاء ، والمداومة على القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة وحصول الراحة بين الطرفين ، ومن لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بل عكس القضية فلحظ المساوىء ، وعمي عن المحاسن ، فلا بد أن يقلق ، ولابد أن يتكدر مابينه وبين من يتصل به من المحبة ، ويخل بكثير من الحقوق التي على كل منهماالمحافظة عليها.
ونكمل في مقال قادم إن شاء الله ويسر،وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علاج الهموم الشيخ المنجد بتصرف يسير