- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:أسباب النزول
(التداين) حاجة إنسانية لا غنى للناس عنه، وهو من أعظم أسباب رواج المعاملات؛ لأن المقتدر على تنمية المال قد يعوزه المال، فيضطر إلى (التداين)، ليظهر مواهبه في التجارة، أو الصناعة، أو الزراعة؛ ولأن صاحب المال قد ينضب ماله الآن، بيد أنه قادر على تحصيله بعد حين، فإذا لم يتداين اختل نظام ماله، ما يؤدي بالتالي إلى اختلال النظام المالي للمجتمع، ومن ثم شرع الله تعالى للناس (التداين) تيسيرا لمعاملاتهم، واستثمارا لطاقاتهم، وإبقاء للمجتمع محافظا على نشاطه وحيويته.
وقد وردت في شأن (الدين) أطول آية في القرآن الكريم، مطلعها قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} ومختتمها قوله سبحانه: {واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم} (البقرة:282). وجهتنا التالية بيان سبب نزول هذه الآية، وما يتعلق بها من أحكام.
فيما يتعلق بسبب نزول هذه الآية روى الطبري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه}، قال: أنزلت في (السلم) إلى أجل معلوم.
وذكر الإمامان الرازي وابن كثير، أن الآية نزلت في (السلف) - وهو (السلم) عينه - لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، وهم يسلفون في التمر السنتين والثلاث، فقال صلى الله عليه وسلم: (من أسلف، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم)، متفق عليه.
هذا ما تذكره كتب التفسير بخصوص سبب نزول هذه الآية الكريمة.
والمراد بـ (السلم) في قول ابن عباس رضي الله عنهما: (السلف)، وهو: أن يدفع شخص مالا مقابل سلعة معلومة في أجل محدد، فكأن صاحب المال قد (أسلم) أو (سلم) الثمن إلى صاحب السلعة، والسلعة ليست موجودة الآن، ولكنها في طور الوجود.
و(السلم) بحسب تعريف الفقهاء: بيع معلوم في الذمة، محصور بالصفة، بعين حاضرة، أو ما في حكمها، إلى أجل معلوم.
وبحسب المروي عن ابن عباس في سبب نزول هذه الآية، فإن المراد بـ (التداين) في الآية: (السلم) أو(السلف) فحسب، ولا يدخل (القرض) المتعارف عليه بين الناس. يؤكد هذا ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: (أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى، أن الله تعالى أحله، وأذن فيه)، ثم قرأ الآية.
وإلى رأي ابن عباس جنح قوم من المفسرين، فقالوا: المراد بـ (المداينة): (السلم)، فالله سبحانه وتعالى لما منع الربا في الآية المتقدمة، أذن في (السلم) في هذه الآية.
وثمة فريق من المفسرين ذهبوا إلى أن المراد بـ (التداين) في الآية: القرض المعروف والشائع بين الناس. وقد ضعف الرازي هذا القول؛ لأن (القرض) - بحسب رأيه - لا يمكن أن يشترط فيه الأجل، و(الدين) المذكور في الآية قد اشترط فيه الأجل.
والذي عليه جمهور المفسرين: أن المراد بـ (التداين) في الآية: (القرض) المعروف، و(السلم) المشروع. قال الطبري: "وقد يدخل في ذلك القرض والسلم، وكل ما جاز فيه السلم مسمى أجل بيعه، يصير دينا على بائع ما أسلم إليه فيه".
والحاصل: أن الآية نزلت بخصوص بيع (السلم)، وهو بيع ما ليس بموجود، ولكنه قابل للوجود. وأن (القرض) يدخل في معنى (التداين)؛ لأنه بمعنى (السلم) في المحصلة، وبالتالي يتعين كتابة المتفق عليه بين المتعاملين في كلا التعاملين: (السلم) و(القرض).