- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:أسباب ورود الحديث
شرع الله تعالى النكاح استجابة لنداء الفطرة، وصيانة للأخلاق، وحفاظا على المجتمع، وبقاء للنوع الإنساني، وأحاطه بسياج من الأحكام التي تحميه وتحفظه وتضمن له قدسيته؛ حتى لا يقدم عليه إلا الجادون القادرون على تحمل المسؤولية وسائر التبعات.
ومن الأحكام التي شرعها الله صيانة لعقد النكاح وجوب إعطاء الزوج للزوجة قدرا من المال، وهذا القدر اصطلح على تسميته مهرا أو صداقا، وكأن في هذه التسمية الأخيرة إشعارا ببعض الحكمة من تشريعه، حيث إن باذله يدلل على صدق رغبته في نكاح هذه المرأة بما يقدمه لها.
ولم يخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نكاحا من صداق، ولو قل، وبين أيدينا حديث يدل على ذلك.
فعن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله تعالى عنه - قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! جئت أهب لك نفسي. فنظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصعد النظر فيها وصوبه [أي رفع نظره فيها وخفضه ليتأملها]، ثم طأطأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله! إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال: فهل عندك من شيء؟، فقال: لا والله يا رسول الله! فقال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا؟، فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انظر ولو خاتما من حديد!، فذهب ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله، ولا خاتما من حديد!، ولكن هذا إزاري - قال سهل: ما له رداء - فلها نصفه! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء. فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا، فأمر به فدعي، فلما جاء قال: ماذا معك من القرآن؟، قال معي سورة كذا وسورة كذا - عددها، فقال: تقرؤهن عن ظهر قلبك؟ [أي غيبا من حفظك؟]، قال: نعم، قال: اذهب فقد ملكتكها [أي زوجتكها] بما معك من القرآن!، رواه البخاري ومسلم.
قصة الحديث:
ذهبت امرأة من صالحي المؤمنين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفوضت أمرها إليه، فإن شاء تزوجها أو زوجها لمن يرى أنه كفؤ لها من أصحابه، فنظر إليها – صلى الله عليه وسلم – ولم يرض أن يتخذها زوجة لنفسه، فقام رجل من الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - وخطبها من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لنفسه.
فسأله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الصداق الذي سيدفعه لها، فقال الرجل ليس عندي مال يصلح أن يكون صداقا، فلم يرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يزوجها له بدون صداق، فأمره أن يأخذ بالأسباب، وأن يرجع إلى بيته فلعله يجد شيئا يصلح أن يكون صداقا، فذهب الرجل ورجع صفر اليدين، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انظر ولو خاتما من حديد!، فذهب ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله، ولا خاتما من حديد!، ولشدة رغبته في الزواج عرض على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يكون إزاره صداقا لها، فلم يقبل بذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لكونه لا يملك غيره.
فسأله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عما يحفظ من القرآن غيبا عن ظهر قلب، فأخبره الرجل بما يحفظ، وعندئذ قبل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يزوج له المرأة، وجعل صداقها أن يعلمها الرجل ما يحفظ من كتاب الله تعالى.
فوائد الحديث:
في هذا الحديث حكم عظيمة وفوائد جمة، فقد دل على أهمية بذل الصداق للزوجة، وهو وإن لم يكن ركنا في عقد النكاح، إلا أنه أمر واجب وحتمي، ولا يجوز إغفاله. كما بين أهمية الزواج والحرص على العفاف عند صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فالمرأة تبحث عن العفاف وتفوض أمرها لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليتزوجها هو أو يزوجها لمن يرى، المهم أن لا تبقى أيما لا زوج لها! والرجل مع فقره وعدم امتلاكه لشيء من المال إلا إزاره - كان يبحث عن الزواج!
وفي الحديث بيان يسر الإسلام وسماحته وعدم التفاته للمظاهر الكاذبة؛ فالمال القليل ولو كان خاتما من حديد - يصلح أن يكون مهرا لعروس! وفيه أيضا بيان عظم شأن القرآن، وأن حامله أو حامل بعضه لا يبتئس أبدا، بل هو موفور الاحترام والتقدير.
فما أحرانا أن نعتز بالانتماء لهذا الدين العظيم، الذي شرع النكاح لتقوم الأسرة المسلمة على أساس قويم، وكرم المرأة واحترمها ورفع من شأنها فلم يكلفها أن تجمع مالا تجعله صداقا، بل جعلها هي المطلوبة والمرغوبة، وهي التي يبذل لها الصداق، بخلاف ما عليه كثير من المجتمعات الأخرى غير الإسلامية .. فالحمد لله على نعمة الإسلام!