مقدمة عن أعلام المحدثين

1 1853

 لقد من الله سبحانه وتعالى علينا بأن جعلنا خير أمة أخرجت للناس، وأرسل إلينا أفضل رسول، وأنزل علينا أفضل كتاب، ولم يمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وقد بلغ الرسالة بلاغا تاما كاملا على خير وجه، وقد حفظ الله تعالى للمسلمين دينهم وسنة نبيهم؛ فأما القرآن فإن الله تعالى تولى حفظه بنفسه ولم يكل ذلك إلى أحد من خلقه، فقال سبحانه: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، فظهر مصداق ذلك مع طول العهد، وتوالي الأيام، وتعاقب الشهور والسنين، واتساع رقعة الإسلام.

وأما السنة فإن الله تعالى قد وفق لنقلها صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فنقلوها إلى التابعين لهم بكل أمانة، والتابعون لم يألوا جهدا في تبليغها إلى أتباعهم، ثم ما زال يأخذ اللاحق عن السابق حتى وصلت السنة إلينا. ولكن مع توالي العصور وتعاقب الدهور دعت الحاجة إلى ظهور أنواع من العلوم المتعلقة بدراسة هذه الأسانيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك المتون التي تدلي بها تلك الأسانيد، وقد وفق الله تعالى لهذه الدراسة حفاظا عارفين، وجهابذة عالمين، وصيارفة ناقدين، ينفون عن سنة الرسول الكريم تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ فتفرغوا لها، وجابوا الأرض في طلبها، وأفنوا أعمارهم في تحصيلها، وأجهدوا ذهنهم في بيان عللها وأحوالها، وتمييز صحيحها من سقيمها، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء!

من أجل ذلك كان حقيقا بمن جاء بعدهم أن يعرف لعلماء الحديث قدرهم، وينزلهم منزلتهم، ويتعرف على جملة من أحوالهم، وأن يذب عنهم ويرد غيبتهم؛ برا بهم واعترافا بجميلهم .. فلولا الله ثم تضحياتهم ما وصل إلينا هذا الدين! وتأمل ما أسنده الإمام الخطيب البغدادي في كتابه (الكفاية في علم الرواية) عن الإمام أبي زرعة الرازي حيث قال: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة".

ثمرات دراسة أخبار أعلام المحدثين:

وفي مطالعة أخبار هؤلاء الأعلام وما بذلوه في خدمة حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوائد عديدة، منها: الثقة بما في أيدينا من نصوص السنة، وأن أعلام الحديث قد نقدوها ونقدوا أسانيدها حتى صح لنا نسبتها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. ومنها أن في أخبار القدوات الكبار والمصلحين العظام من علماء الحديث مادة للتجديد والبعث الجديد في حياة الأمة، ويستعان بها في إيقاظ همم المسلمين وإلهاب قلوبهم بجذوة الإيمان والحماسة للدين، قال تعالى: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب"، وقال الإمام أبو حنيفة: "الحكايات عن العلماء ومحاسنهم  أحب إلي من كثير من الفقه؛ لأنها من آداب القوم وأخلاقهم"، وقال الجنيد رحمه الله تعالى: "الحكايات جند من جنود الله يثبت الله بها قلوب أوليائه، فقيل له هل لهذا من شاهد؟ قال: شاهده قوله تعالى: {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك}".
فما أعظم تلك الثمرات التي يجنيها المطالع في أخبار أعلام المحدثين! فإن النفس تتوق إلى محاكاة العظماء واقتفاء آثارهم والنسج على منوالهم، حتى يخرج إلينا جيل حريص على العودة بالأمة إلى ريادتها وسابق عهدها.

 

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة