- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:عقائد شعبية
هل الشؤم ثابت في الدار والمرأة والفرس؟
على الرغم من وضوح التصور الحاصل تجاه مسألة التشاؤم، إلا أنه قد ورد في السنة حديثا يوهم خلاف ما تقرر من نفي التشاؤم والنهي عنه، في عدد من الأحاديث الواردة عن ثمانية من الصحابة رضوان الله عليهم مع اختلاف يسير بين نصوص تلك الأحاديث، وسوف نستعرض تلك الروايات ثم نورد مسالك العلماء في الجواب عن الإشكال الحاصل وإزالة وجه التعارض.
رواية عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ( إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار) رواه البخاري، وثمة رواية أخرى من غير طريق الزهري عن ابن عمر رضي الله عنهما ليس فيها هذا الجزم مذكورة في الصحيحين، ونصها: ( إن كان الشؤم ففي المرأة والفرس والمسكن ).
ولابن ماجة أن أم سلمة رضي الله عنها كانت تزيد مع هذه الثلاثة:(والسيف) إلا أنها رواية معلقة لا تصح عنها.
ورواية جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال : ( إن كان في شيء –أي الشؤم- ففي الربع والخادم والفرس) رواه مسلم، وقريبا من هذا ما جاء عند النسائي: ( إن يك الشؤم في شئ ففي الربعة والمرأة والفرس) والربع والربعة هو المنزل ومحل الإقامة.
وتقارب رواية سهل بن سعد ألفاظ حديث جابر رضي الله عنه، فقد روى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( إن كان –أي الشؤم-ففى المرأة والفرس والمسكن) رواه مسلم.
وروي عن مخمر بن معاوية رضي الله عنه أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا شؤم ، وقد يكون اليمن في الفرس والدار والمرأة) رواه ابن ماجة، وبمثلها روي عن حكيم بن معاوية رضي الله عنه كما جاء في الترمذي، وقد ضعف إسنادها الإمام ابن حجر.
ورواية عائشة رضي الله عنها وما نسب فيها من قول لأبي هريرة رضي الله عنه، وفيها: "قيل لعائشة : إن أبا هريرة يقول : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الشؤم في ثلاثة : في الدار والمرأة والفرس) ، فقالت عائشة : لم يحفظ أبو هريرة؛ لأنه دخل ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : (قاتل الله اليهود؛ يقولون: الشؤم في ثلاثة : الدار ، والمرأة ، والفرس) فسمع آخر الحديث ، ولم يسمع أوله" أخرجه أبو داوود الطيالسي في مسنده.
ومن مجمل هذه الروايات نلاحظ الآتي:
-أن الروايات التي وردت على سبيل الحصر والتأكيد على حصول الشؤم هي رواية عبدالله بن عمر رضي الله عنه وما نسب إلى أبي هريرة رضي الله عنه.
-أن أغلب الروايات اقتصرت على ذكر هذه الثلاثة: المرأة والدار والفرس، عدا رواية أم سلمة رضي الله عنها والتي لم تصح، وما جاء من إبدال الخادم مكان المرأة في رواية جابر رضي الله عنه.
- أن رواية حكيم بن معاوية، ومخمر بن معاوية رضي الله عنهما تنفي الشؤم مطلقا، وتثبت اليمن في هذه الثلاثة.
-أنه لم ترد نسبة هذا الحديث إلى أبي هريرة رضي الله عنه إلا من خلال الرواية المذكورة عن عائشة رضي الله عنها من طريق مكحول، يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني: "ومكحول لم يسمع من عائشة فهو منقطع، لكن روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فذكرا ما قال أبو هريرة فغضبت غضبا شديدا وقالت : ما قاله وإنما قال: ( إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك) ، ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة من ذكرنا من الصحابة له في ذلك".
هذا، وقد سلك العلماء مسالك شتى في الجواب عن هذه الروايات، وبيان ذلك فيما يلي:
أولا: مسلك النسخ، وهو الذي مال إليه الإمام ابن عبدالبر حيث قال: " كان في أول الإسلام خبرا عما كانت تعتقده العرب في جاهليتها، على ما قالت عائشة، ثم نسخ ذلك وأبطله القرآن والسنن"، ولا يسلم للإمام دعوى النسخ لهذا الحديث لعدة أمور: أن النسخ لا يدخل في الأخبار وإنما هو مختص بالأحكام، وأن القول بالنسخ يحتاج إلى معرفة الترتيب الزمني لورود هذه الأحاديث بحيث يتيقن من تأخر الأحاديث الناسخة لوجود الشؤم في هذه الثلاث المذكورة في الحديث وهو الأمر المتعذر هنا، ثم إن القول بالنسخ يكون عند تعذر الجمع بين الأحاديث المذكورة في هذا الباب، فإن أمكن الجمع فلا معنى للقول بالنسخ، وقد رد الحافظ ابن حجر على ذلك فقال ما حاصله: " النسخ لا يثبت بالاحتمال لا سيما مع إمكان الجمع ولا سيما وقد ورد في نفس هذا الخبر نفي التطير ثم إثباته في الأشياء المذكورة".
المسلك الثاني: الترجيح، ولا نعني بذلك الترجيح المطلق لأحاديث حرمة التطير والتشاؤم على الأحاديث المذكورة في هذا المبحث، إنما المقصود هو ترجيح روايات الشرط في هذه الأحاديث ( إن كان الشؤم ) على روايات الجزم (إنما الشؤم)، ومستند ذلك أن الروايات التي جاءت عن بقية الصحابة لم تأت بالجزم، بل إن إحدى الروايتين عن ابن عمر رضي الله عنهما جاءت موافقة لهؤلاء الصحابة مما يشعر بوقوع وهم من الراوي أو روايته للحديث بالمعنى، يقول الإمام ابن القيم: " قالوا ولعل الوهم وقع من ذلك وهو أن الراوي غلط وقال الشؤم في ثلاثة وإنما الحديث إن كان الشؤم في شيء ففي ثلاثة"، ولذلك حكم الشيخ الألباني على هذا اللفظ بالشذوذ.
المسلك الثالث: مسلك الجمع بين الأحاديث، وهو الأمر الذي ائتلفت عليه آراء جماهير أهل العلم والشراح، وإن كانوا قد اختلفوا في طرق توجيه هذه الأحاديث.
فمنهم من رأى أن النبي –صلى الله عليه وسلم كان يخبر عن معتقدات الناس في ذلك الوقت، فجاء الحديث لبيان أعظم الأسباب المثيرة للطيرة مما هو كامن في الغرائز، والنفوس يقع فيها التشاؤم بهذه الثلاث أكثر مما يقع بغيرها لطول ملازمتها للإنسان فلذلك خصت بالذكر.
وقد اعترض الإمام ابن العربي على هذا القول بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يبعث ليخبر الناس عن معتقداتهم الماضية والحاصلة، وإنما بعث ليعلمهم ما يلزمهم أن يعتقدوه، ويمكن الجواب عن ذلك بأن ذكر هذه الأمور لم يكن إخبارا محضا من النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما كان القصد منه التحذير، بدليل ما جاء في رواية عائشة رضي الله عنها: ( قاتل الله اليهود؛ يقولون: الشؤم في ثلاثة) ونظيره في السنة قوله عليه الصلاة والسلام: ( قاتل الله اليهود ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) متفق عليه.
ومن العلماء من رأى استثناء الثلاثة من عموم النهي، وهو ما صرح به الإمام الخطابي حيث رأى أنه استثناء من غير الجنس ومعناه إبطال مذهب الجاهلية في التطير، فكأنه قال : إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس يكره سيره، فليفارقه، ومقتضى ذلك أن يفسر الحديث على ظاهره، بمعنى أن الإنسان قد تفوته منفعة أو يلحقه ضرر من هذه الثلاث وأنه قد يحصل الشؤم منها، فعندها يباح للإنسان أن يفارق هذه الأعيان التي تشاءم منها.
ونحا بعض العلماء منحى مغايرا في موقفهم من هذا التعارض، فركز اهتمامه في معنى "الشؤم" وبيان المقصود منه، حيث فسروا شؤم الدار بضيقها، وبمجاورة أهل السوء وأذي الجيران، وببعد الدار عن المساجد، وفسروا شؤم الفرس بحرانها –وهو عدم الانقياد لسائسها- وبغلاء ثمنها، وشؤم المرأة بعقمها وسلاطة لسانها وسوء خلقها، والخادم برداءة طباعه وقلة عمله.
هذه هي مجمل الأقوال في تأويل هذه الأحاديث التي قد يبدو منها معارضة للموقف الشرعي من الطيرة والتشاؤم، ويمكننا أن نتلمس الحق الذي ترسمه تلك الآراء من خلال ملاحظة ما يلي:
أولا: أن الصفات الذميمة التي فسرت بها "الدار-المرأة-الفرس-الخادم" إنما هي من تقدير الله عز وجل وليست من عندها.
ثانيا: أن الإسلام لم يزل حريصا على صيانة المعتقد لئلا يقع الناس في الشرك: صغيره وكبيره، دقيقه وجليله، حتى جاء النهي لألفاظ وأعمال لا يكاد يلمح فيها جانب الخلل في التوحيد ولا تبصر الشائبة فيه إلا بتدقيق النظر كقول أحدهم: "ما شاء الله وشئت" أو نداء الخدم والعبيد بـ"يا عبدي ويا أمتي".
ثالثا: أن هناك تناسبا أو تنافرا بين الأعيان المختلفة، وذلك أمر لا يمكن إنكاره، ومثله ما يحدث بين الأرواح التي تلتقي فتتعارف أو تتناكر كما جاء في الحديث النبوي، وكذلك سوء طباع الدابة عند صاحبها دون غيره من الناس، وبركة البيت لأفراد دون آخرين.
رابعا: أن هذه الأوصاف ليست أوصافا مطلقة ولا لازمة على الدوام لهذه الأمور المذكورة سابقا، فمن سعادة المرء المسلم المسكن الواسع، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، والنساء من زينة الحياة الدنيا التي قال عنها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ( حبب إلى من دنياكم النساء والطيب) رواه الإمام أحمد.
إذا تبين ما سبق، علمنا أن الناس كانوا ولا يزال منهم من يتشاءم من هذه المذكورات لطول ملازمتها للناس وليس الحصر فيها مقصودا، والتشاؤم الحاصل فيها ناتج عن عدم التوافق بين بعض الناس وبين هذه المحال، فإذا انتقلت هذه الأعيان إلى غيرهم حصل التوافق، فدل ذلك أن هذه الصفات الذميمة التي تلبست بها إنما هو من تقدير الله عز وجل.
وإذا حصل للمرء توقع حصول الشر من هذه الأعيان، فعجز عن استصلاح أهله بالطرق الشرعية المتدرجة التي حددها الإسلام: وعظا وهجرا وضربا غير مبرح، واستخداما للتحكيم دونما فائدة تذكر، عندها قد يكون الحل في المفارقة، كذلك فيما يتعلق بالدار والضيق منها وكثرة منغصاتها، والفرس وسوء طباعه والعجز عن ترويضه، فصيانة لجناب التوحيد، وحتى لا يظن أحد أن هذه الأمور لها تأثير بذاتها بما يتعارض مع الإيمان بانفراد الله تعالى بالنفع والضر، جاز له ترك هذه الأعيان لوجود مؤشرات تدل على عدم المناسبة وانعدام التوافق، ونظير هذا الأمر بالفرار من المجذوم مع صحة نفي العدوى، والمراد بذلك حسم المادة وسد الذريعة لئلا يوافق شيء من ذلك القدر فيعتقد من وقع له أنه من العدوى أو من الطيرة فيقع في اعتقاد ما نهي عنه ،وبذلك يحصل الجمع بين هذه الأقوال.
ومما يؤيد ما سبق ما جاء من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا قال: " يا رسول الله، إنا كنا في دار كثير فيها عددنا، وكثير فيها أموالنا، فتحولنا إلى دار أخرى فقل فيها عددنا، وقلت فيها أموالنا"، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ذروها ذميمة) رواه أبو داود، ويذكر الإمام ابن قتيبة أنه أمرهم بالتحول منها؛ لأنهم كانوا مقيمين فيها على استثقال لظلها واستيحاش بما نالهم فيها، فأمرهم بالتحول، وقد جعل الله في غرائز الناس وتركيبهم استثقال ما نالهم السوء فيه، وإن كان لا سبب له في ذلك، وحب من جرى على يده الخير لهم وإن لم يردهم به، وبغض من جرى على يده الشر لهم وإن لم يردهم به.
قال الخطابي: " اليمن والشؤم سمتان لما يصيب الإنسان من الخير والشر والنفع والضر، ولا يكون شيء من ذلك إلا بمشيئة الله وقضائه، وإنما هذه الأشياء محال وظروف جعلت مواقع لأقضيته، ليس لها بأنفسها وطباعها فعل ولا تأثير في شيء، إلا أنها لما كانت أعم الأشياء التي يقتنيها الناس، وكان الإنسان في غالب أحواله لا يستغني عن دار يسكنها وزوجة يعاشرها وفرس يرتبطه، وكان لا يخلو من عارض مكروه في زمانه ودهره أضيف اليمن والشؤم إليها إضافة مكان ومحل وهما صادران عن مشيئة الله سبحانه"، ونحوه ما ذكره الإمام ابن القيم بأن إخباره عليه الصلاة والسلام بالشؤم في هذه الثلاثة ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها، وإنما غايته أن الله_سبحانه_قد يخلق منها أعيانا مشؤومة على من قاربها، وسكنها، وأعيانا مباركة لا يلحق من قاربها منه شؤم ولا شر، وهذا كما يعطي_سبحانه_الوالدين ولدا مباركا يريان الخير على وجهه، ويعطي غيرهما ولدا مشؤوما يريان الشر على وجهه، وكذلك ما يعطاه العبد من ولاية أو غيرها فكذلك الدار، والمرأة، والفرس.
والله سبحانه خالق الخير والشر، والسعود والنحوس، فيخلق بعض هذه الأعيان سعودا مباركة، ويقضي سعادة من قارنها، وحصول اليمن له، والبركة، ويخلق بعض ذلك نحوسا يتنحس بها من قارنها، وكل ذلك بقضاء الله وقدره؛ كما خلق الأسباب، وربطها بمسبباتها المتضادة المختلفة؛ فكما خلق المسك وغيره من حامل الأرواح الطيبة، ولذذ بها من قارنها من الناس، خلق ضدها، وجعلها سببا لإيذاء من قارنها من الناس، والفرق بين هذين النوعين يدرك بالحـس؛ فكذلك في الديار، والنساء، والخيل؛ فهذا لون، والطيرة الشركية لون آخر.