- اسم الكاتب:د. بدر عبد الحميد هميسه
- التصنيف:محاسن الأخلاق
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد:
فقد تكلمنا في مقال سابق عن حث الإسلام على مراعاة المشاعر والأحاسيس ونكمل في مقالنا هذا الحديث عن جملة من المبادئ التي صان من خلالها الإسلام المشاعر والأحاسيس
3-معرفة أدب التناصح :
من أخلاق المؤمن أن يكون مرآة لأخيه ، إن رأى خيرا شجعه على الخير، ورغبه فيه، وحثه على الاستمرار عليه، وإن رأى خللا، أو خطأ، أو نقصا، سعى في سده وجبره فقد قال تعالى في محكم تنزيله :{ والعصر إن الإنسان لوفى خسر * إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}( العصر:1-3).
والمنصوح امرؤ يحتاج إلى جبر نقص وتكميله، ولا يسلم المرء بذلك من حظ نفسه إلا لحظة خلوة وصفاء، وهذه اللحظة تكون عند المسارة في السر، وعندها تؤتي النصيحة ثمرتها، ولا يكون الناصح عونا للشيطان على أخيه، فإن الناصح في ملأ يعين الشيطان على صاحبه، ويوقظ في نفسه مداخل الشيطان، ويغلق أبواب الخير، وتضعف قابلية الانتفاع بالنصح عنده.
قال أحد الدعاة: ( لتكن نصيحتك لأخيك تلميحا لا تصريحا وتصحيحا لا تجريحا ) .
وقال الإمام الشافعي : " من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه ".
وأنشد رحمه الله :
تعمدني بنصحك في انفـرادي * * * وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نـوع * * * من التوبيخ لا أرضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولـي * * * فلا تجزع إذا لم تعط طاعـة
4-عليك بأدب التغافل:
هناك ما يسمى بأدب التغافل أو الإغضاء عن هفوات الناس كنوع من مراعاة المشاعر والأحاسيس.
وقد نبه الله إليه في كتابه الكريم فقال : {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير } (التحريم :3) .
وقال الحسن : "ما استقصى كريم قط ، قال الله تعالى: عرف بعضه وأعرض عن بعض " (تفسير القرطبي ج18 ص188) .
ذكر ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال : إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط وقد سمعته قبل أن يولد.
وقال أبو علي الدقاق: جاءت امرأة فسألت حاتما عن مسألة ، فاتفق أنه خرج منها صوت في تلك الحالة فخجلت ،فقال حاتم : ارفعي صوتك فأوهمها أنه أصم فسرت المرأة بذلك ، وقالت : إنه لم يسمع الصوت فلقب بحاتم الأصم.
ولقد دخل رجل على الأمير المجاهد قتيبة بن مسلم الباهلي، فكلمه في حاجة له، ووضع نصل سيفه على الأرض فجاء على أصبع رجل الأمير، وجعل يكلمه في حاجته وقد أدمى النصل أصبعه، والرجل لا يشعر، والأمير لا يظهر ما أصابه وجلساء الأمير لا يتكلمون هيبة له، فلما فرغ الرجل من حاجته وانصرف دعا قتيبة بن مسلم بمنديل فمسح الدم من أصبعه وغسله، فقيل له: ألا نحيت رجلك أصلحك الله، أو أمرت الرجل برفع سيفه عنها؟ فقال: خشيت أن أقطع عنه حاجته.
وأنشد الشافعي رحمه الله:
أحب من الإخـوان كـل مواتـي * * * وكل غضيض الطرف عن عثراتي
يوافقنـي فـي كـل أمـر أريـده * * * ويحفظنـي حيـا وبعـد مماتـي
فمن لي بهذا ؟ ليت أنـي أصبتـه * * * لقاسمته ما لـي مـن الحسنـات
تصفحت إخوانـي فكـان أقلهـم * * * على كثرة الإخوان أهـل ثقاتـي
5-لا تنس أدب المناجاة:
قال تعالى : {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون} (المجادلة :10).
وعن عبد الله بن مسعود . قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر. حتى تختلطوا بالناس من أجل أن يحزنه" (مسلم).
قال الخطابي : وإنما قال ليحزنه لأنه قد يتوهم أن نجواهما إنما هي سوء رأيهما فيه أو لدسيسة غائلة له. أ.هـ.
6 - خذ بأدب الاستئذان :
قال تعالى : {فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم} (النور :28).
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أستأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع "( متفق عليه) .
فمن استأذن على الناس ثلاثا ولم يؤذن له فعليه بالرجوع ولا يصر على الدخول ؛ لأن في ذلك إيذاء لمشاعر الآخرين ، وقد تؤذى مشاعره كذلك .
7- لا تسب الأموات:
نهى الإسلام عن سب الأموات لأن في سبابهم إيذاء لمشاعر الأحياء ، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا". (البخاري) .
8- مراعاة مشاعر الضعفاء والمرضى وذوي الحاجات:
إذا كان كل إنسان يحتاج إلى من يراعي مشاعره وأحاسيسه فإن أحاسيس ومشاعر المرضى والضعفاء وذوي الأعذار والحاجات أولى بالمراعاة والتقدير .
روى جابر رضي الله عنه قال : كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي فيؤم قومه ، فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل مسلم ثم صلى وحده وانصرف ، فقالوا له : أنافقت يا فلان ؟ قال : لا والله، ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار ، وإن معاذا صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "يا معاذ أفتان أنت ؟ اقرأ بكذا واقرأ بكذا " (مسلم).
وعن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أم قومك ، فمن أم قومه فليخفف؛ فإن فيهم الكبير وإن فيهم المريض وإن فيهم الضعيف وإن فيهم ذا الحاجة ، وإذا صلى أحدكم وحده فليصل كيف شاء " (مسلم).
إن مراعاة مشاعر الناس وأحاسيسهم مما يزيد في الود ويؤلف بين القلوب ، فقد لا ينسى أحدنا موقفا لشخص ما راعى فيه مشاعره وشاركه أحاسيسه .
فحينما تخلف كعب بن مالك عن غزوة " تبوك " ثم تاب الله عليه ، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله عليه وعلى من معه حين صلى الفجر ، يقول كعب : " فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنؤوني بالتوبة يقولون: لتهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم حوله الناس ، فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني ، والله ما قام رجل إلي من المهاجرين غيره ، لا أنساها لطلحة ".
إن صاحب الإحساس والتأثر يراعي مشاعر إخوانه، ويحترمها، ويحذر أن يمسها بسوء.
ورد في صحيح مسلم أن أبا سفيان ـ في هدنة صلح الحديبية ـ قبل إسلامه، مر على سلمان وصهيب وبلال، فأرادوا أن يسمعوه قولا يغيظه، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. فاستنكر عليهم أبو بكر ما قالوا، وقال لهم: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ وذهب أبو بكر فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما جرى، فكان أول أمر أهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تساءل عن مشاعرهم تجاه ما صدر من أبي بكر، فقال له:" يا أبا بكر! لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك"، فأتاهم أبو بكر يسترضيهم، ويستعطفهم، قائلا: يا إخوتاه! أغضبتكم؟ قالوا: لا . يغفر الله لك .
ولقد كان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم : "اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم "(الترمذي).
اللهم جنبنا الزلل في القول والعمل ، واجعلنا ممن يقول فيعمل ويعمل فيخلص ، ويخلص فيقبل منه .