إسهامات المسلمين في تصحيح عقائد الأمم السابقة

3 1418

جانب مهم في رحلة إسهامات المسلمين في الحضارة الإنسانية، ذلك الذي يتعلق بالعقيدة والفكر والأدب، والذي يعبر عن أصالة الحضارة الإسلامية وتفردها في تلك المجالات. وفي هذا المقال نعرض لأهم هذه الإسهامات.

دور المسلمين في العقيدة:
 كان للمسلمين -وما زال- دور متفرد ومتميز في جانب العقيدة والتصور العقدي؛ فبينما ذهبت الأمم والحضارات السابقة والمعاصرة إلى تصورات شتى تجاه خالق الكون والإله المعبود، فإن المسلمين أفردوا العبودية والوحدانية لله ، وخصوه بالخلق والأمر، وكان ذلك أعظم إسهام قدم للإنسانية مطلقا، وخاصة حين نعلم دور العقيدة وأثرها الحاسم في النهضة الحضارية.

 تصور الفلاسفة للألوهية :
 إن تصور الفلاسفة الذين يسميهم تاريخ الفلسفة (الإلهيين)، أي: الذين اعترفوا بالألوهية في الجملة؛ مثل العمالقة الكبار: سقراط وأفلاطون وأرسطو، الذين رفضوا الإنكار والإلحاد، لم يكن تصورهم للألوهية تصورا صحيحا، بل كان تصورا قاصرا مضطربا، مشوبا بالكثير من الأوهام والتخليطات؛ لنأخذ مثلا (إله) أرسطو -المعلم الأول لدى الإغريق- لنرى أي إله هو؟ أهو الإله الذي نعرفه نحن، خالق كل شيء، ورازق كل حي، ومدبر كل أمر، العالم بما كان، وما هو كائن، وما سيكون، الفعال لما يريد، والقادر على كل شيء؟ أم هو إله آخر غير هذا الإله الذي نعرفه؟

  يقول ول ديورانت في (مباهج الفلسفة): "يتصور أرسطو (الله) بوصفه روحا تعي ذاتها، وهذه هي الأخرى روح غامضة خفية؛ وذلك لأن إله أرسطو لا يقوم أبدا بأي عمل، فليست له رغائب ولا إرادة ولا غرض، وفاعليته نقية خالصة إلى حد تجعله لا يفعل أبدا، وهو كامل كمالا مطلقا؛ لذلك ليس بمقدوره أن يرغب في أي شيء؛ ولذلك لا يعمل أي شيء! ووظيفته الوحيدة هي التأمل في جوهر الأشياء. ونظرا لأنه هو بالذات جوهر جميع الأشياء، وشكل جميع الأشياء؛ لذلك فإن عمله الوحيد هو التأمل في ذاته. ولا غرو أن يحب الإنجليز أرسطو، فإلهه هو - بوضوح - صورة طبق الأصل عن ملكهم، أو أن ملك هؤلاء هو نسخة عن إله أرسطو بالذات".
وإذا كان إله أرسطو مسكينا؛ لأنه لا يستطيع أن يحل ولا يربط في الكون، فأشد منه مسكنة إله أفلاطون -الذي نسبت إليه الأفلاطونية الحديثة- فإنه لا يتأمل في شيء، حتى في ذاته نفسها"

الوثنية وتعدد الآلهة في الهند:
قد بلغت الوثنية أوجها في القرن السادس الميلادي، فوصل عدد الآلهة في الهند وحدها -على سبيل المثال- إلى 330 مليونا، وقد أصبح كل شيء رائعا، وكل شيء جذابا، وكل مرفق من مرافق الحياة إلها يعبد. وهكذا جاوزت الأصنام والتماثيل والآلهة الحصر، وأربت على العد؛ فمنها أشخاص تاريخية، وأبطال تمثل فيهم الله، ومنها جبال تجلى عليها بعض آلهتهم، ومنها معادن كالذهب والفضة تجلى فيها إله، وأنهار، وآلات حرب، وآلات التناسل، وحيوانات أعظمها البقرة، وأجرام فلكية، وغير ذلك، وأصبحت الديانة نسيجا من خرافات وأساطير وأناشيد، وعقائد وعبادات ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يستسغها العقل السليم في زمن من الأزمان. وقد ارتقت صناعة نحت التماثيل في هذا العهد حتى فاق في ذلك جميع العصور الماضية، وقد عكفت الطبقات كلها وعكف أهل البلاد من الملك إلى الصعلوك على عبادة الأصنام.
 فوصل الأمر أن هانت على الإنسان إنسانيته، حتى صار يسجد للحجر والشجر والنهر، وكل ما لا يملك لنفسه النفع والضر.

انقسام الدولة الرومانية النصرانية
أما عن الدولة الرومانية حاملة لواء النصرانية في العالم، فقد انقسمت على نفسها إلى فرعين كبيرين: الكاثوليك والأرثوذكس، وانقسم الأرثوذكس بدورهم إلى طائفتين: ملكانية ومنوفيسية، وكانت الحروب بين هذه الطوائف على أشدها، وجميعهم قد حرفوا دينهم، وأشركوا مع الله غيره، ولكنهم اختلفوا في صورة الشرك، وقد أصبح الأحبار والرهبان أربابا من دون الله!
إن تاريخ أوربا في العصور الوسطى يكاد يكون في صلبه عبارة عن صراع بين السلطة الدينية (البابوية) - التي تحتكر حق الحديث باسم الله، فهي فوق البشر، ولا حق لأحد في محاسبتها ومراقبة تصرفاتها، وفوق الملوك الذين يجب أن يذعنوا لها في النهاية باسم الدين - وبين السلطة الدنيوية ممثلة في الحكام، والملوك، والأباطرة، والأمراء ممن يرغبون في ممارسة سلطاتهم، وصلاحياتهم، واستبدادهم نحو رعاياهم دون أن يحدها أحد أو جهة تحت أي مسمى أو بأي حجة، حتى ولو كانت البابوية تحت ستار الدين.

ففي سنة 1073م أعلن البابا جريجوريوس السابع أن الكنيسة هي صاحبة السيادة في العالم كله، تستمد نفوذها من الله مباشرة، وهي بدورها تمد ملوك الأرض وأمراءها بالنفوذ، وأن البابا له منزلة فذة في العلم، فهو الذي يولي الأساقفة ويخلعهم، وله الحق في خلع الأباطرة؛ لأنه سيدهم الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وبناء على ذلك كان البابوات يعلنون حرمان من لا يرضون عنهم من الأباطرة والملوك، كما حدث للإمبراطور هنري الرابع حين حرمه البابا سنة (1107م)، فاضطر للوقوف ببابه ثلاثة أيام حافي القدمين عاري الرأس بين الثلوج والأمطار، وحين غضب البابا أنوسنت الثالث على الملك جون ملك إنجلترا، أنزل نقمته على إنجلترا كلها، وأعلن عليها حربا صليبية، وحرض ملك فرنسا على مهاجمتها وضمها إليه، فاضطر عندئذ ملك إنجلترا إلى طلب الغفران من البابا، فغفر له بعد أن أعلن تبعيته له وأقسم بيمين الولاء، وقدم هدية مناسبة! ووصل النفوذ ذروته في سنة (1198م) حيث أعلن البابا (أرنست الثالث) أنه نائب المسيح، والقائم بين الله وبين عباده دون الرب وفوق البشر، وهو حاكم الجميع ولا أحد يحكمه.
ولا ريب في أن هذا الانحراف لرجال الدين المسيحي، وتسلطهم، وتجبرهم هو الذي جعل الغرب الحديث يحاول الإفلات من طغيان وإسار الكنيسة، ثم يمعن في العلمانية والإفلات من زمام الدين، وإقصائه عن كل شئون الدنيا.

الألوهية عند العرب:
أما عن الألوهية عند العرب، فكان العرب في البدء يعبدون الله ويوحدونه، ويعتقدون أنه إله أعظم، خالق الكون، ومدبر السموات والأرض، بيده ملكوت كل شيء، { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله}
لكن لما طال عليهم الأمد نسوا حظا مما ذكروا به، فأشركوا بالله، وجعلوا بينهم وبينه وسطاء؛ توسلوا بهم إلى الله وأشركوهم في الدعاء، كما قال تعالى{ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} وقاموا نحوهم ببعض العبادات، ورسخت في أذهانهم فكرة الشفاعة حتى تحولت إلى عقيدة قدرة الشفعاء على النفع والضرر، ثم ترقوا في الشرك فاتخذوا من دون الله آلهة، واعتقدوا أن لهم مماثلة ومشاركة في تدبير الكون، وقدرة ذاتية على النفع والضرر، والخير والشر، والإعطاء والمنع.

عبادة الأصنام عند العرب
انتشرت عبادة الأصنام في جزيرة العرب، حتى صار لكل قبيلة  صنم ثم في كل بيت  صنم، قال الكلبي: كان لأهل كل دار من مكة صنم في دارهم يعبدونه، فإذا أراد أحدهم السفر كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به، وإذا قدم من سفر كان أول ما يصنع إذا دخل منزله أن يتمسح به أيضا... واستهترت العرب في عبادة الأصنام، فمنهم من اتخذ بيتا، ومنهم من اتخذ صنما، ومن لم يقدر عليه ولا على بناء بيت نصب حجرا أمام الحرم وأمام غيره مما استحسن، ثم طاف به كطوافه بالبيت وسموها الأنصاب... وكان الرجل إذا سافر فنزل منزلا أخذ أربعة أحجار، فنظر إلى أحسنها فاتخذه ربا، وجعل ثلاث أثافي لقدره، وإذا ارتحل تركه ؛ يقول أبو رجاء العطاردي: كنا نعبد الـحجر فإذا وجدنا حجرا هو أخير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به ، وقد كان في جوف الكعبة -البيت الذي بني لعبادة الله وحده- وفي فنائها ثلاثمائة وستون صنما.

هكذا كان حال الأمم السابقة في تصوراتها للدين والعقيدة والإله المعبود؛ حيث الوثنية وانتفاء التوحيد، ومن ثم انتفاء صفات القدرة والربوبية والخلق، مع ما ترتب على ذلك من انحطاط للإنسانية، وانحطاط لقيم أي بعث حضاري.

فجاء الإسلام يحمل تصورا واضحا لألوهية الله سبحانه لهذا الكون وربوبيته لخلقه أجمعين ، إله واحد أحد صمد فتعلمت البشرية من المسلمين صفاء العقيدة ونقاء المعتقد وتعرفت على خالقها الأعظم من خلال كتاب ربها وسنة نبيها الخاتم للرسل أجمعين .

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة