- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:الإيمان باليوم الآخر
الأدلة الشرعية على إثبات المهدي
كما هو الشأن في أي قضية عقدية، فإن مدار إثباتها ورود الأدلة الشرعية الصحيحة الثابتة عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، والمحققة لشروط القبول عند أئمة التحقيق من المحدثين، ويتأكد هذا الطريق في القضايا العقدية الخبرية التي لا مجال فيها للدلائل الشرعية الأخرى، الأمر الذي ينطبق على مسألة خروج المهدي في آخر الزمان .
وقد ردت جملة كبيرة من الأحاديث الصحيحة التي تحدثت في شأن المهدي ، وتنوعت في دلالاتها ما بين مصرحة بذكره ومحتملة لقصده، وهي في ذلك تذكر شيئا من سيرته واسمه وأوصافه وأحواله، في جملة من الأحاديث المرفوعة والآثار المروية عن الصحابة رضوان الله عليهم والمبثوثة في بطون كتب السنة.
وسوف نقوم بسرد ما تيسر من تلك الأحاديث الثابتة إن شاء الله وفق التقسيم التالي:
القسم الأول: أحاديث صريحة في شأن المهدي
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطى المال صحاحا، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعا أو ثمانيا -يعني حججا) رواه الحاكم في المستدرك وصححه الإمام الذهبي، والمقصود بالحجج : السنوات.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلما وعدوانا، ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي، يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا) رواه الإمام أحمد، وأبو يعلى في مسنده، كما أخرجه الحاكم في مستدركه وصححه ، ووافقه على ذلك الذهبي .
وعنه رضي الله عنه قال: خشينا أن يكون بعد نبينا حدث ، فسألنا نبي الله - صلى الله عليه و سلم- فقال: (إن في أمتي المهدي، يخرج يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا ، فيجيء إليه رجل فيقول: يا مهدي، أعطني أعطني، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله) رواه الترمذي في السنن وأحمد في المسند.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة) رواه ابن ماجة، وابن أبي شيبة في مصنفه، وصححه الشيخ أحمد شاكر.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (المهدي مني ، أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، يملك سبع سنين) رواه أبو داوود في سننه، والحاكم في مستدركه، وجود إسناده الإمام ابن القيم، ومعنى أجلى الجبهة: منحسر الشعر عن مقدم الرأس أو بمعنى : واسع الجبهة، ومعنى أقنى الأنف: دقيق الأنف.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من أهلي يواطىء اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا) رواه أبوداوود والترمذي، وقد صححه شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة، وابن القيم في المنار المنيف.
وبنحوه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لبعث الله عز وجل رجلا منا، يملؤها عدلا كما ملئت جورا) رواه الإمام أحمد، وصحح إسناده العلامة أحمد شاكر.
وعن أم سلمة رضي الله عنها، أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة) رواه أبو داوود، ورمز له السيوطي بالصحة، والعترة هم أولاد الرجل من صلبه كما قال الإمام الخطابي.
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( ينزل عيسى ابن مريم ، فيقول أميرهم المهدي : تعال صل بنا، فيقول: لا؛ إن بعضهم أمير بعض، تكرمة الله لهذه الأمة ) أخرجه أبو نعيم في كتابه أخبار المهدي ، وجود إسناده الإمام ابن القيم ، وأصله في صحيح مسلم بلفظ : (فيقول أميرهم تعال) ، دون التصريح باسم المهدي .
القسم الثاني: أحاديث ثابتة محتملة المعنى
عن عائشة رضي الله عنها قالت : عبث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في منامه –أي تحرك وهو نائم-، فقلنا: يا رسول الله، صنعت شيئا في منامك لم تكن تفعله، فقال: (العجب أن ناسا من أمتي يؤمون هذا البيت لرجل من قريش قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم)، فقلنا: يا رسول الله، إن الطريق قد تجمع الناس!، قال: (نعم، فيهم المستبصر –أي المستفهم والمستوضح-والمجبور وابن السبيل، يهلكون مهلكا واحدا، ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم الله عز وجل على نياتهم) رواه البخاري ومسلم واللفظ له ، والمقصود أن ذلك الجيش الذي قصد المهدي قد جمع الأخيار والأشرار، فيخسف بهم جميعا ، لكن مآلاتهم حينما يبعثون مختلفة ، فريق في الجنة وفريق في السعير، على حسب نياتهم وأعمالهم .
وعن عبيد الله بن القبطية قال: دخل الحارث بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان وأنا معهما على أم سلمة رضي الله عنها، فسألاها عن الجيش الذي يخسف به - وذلك في أيام ابن الزبير رضي الله عنه -، فقالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يعوذ عائذ بالبيت، فيبعث إليه بعث، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم)، فقلت يا رسول الله، فكيف بمن كان كارها؟ قال: (يخسف به معهم، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته) رواه مسلم.
وعن أبي قتادة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يبايع لرجل بين الركن والمقام، ولن يستحل البيت إلا أهله ، فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب، ثم تجيء الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدا، هم الذين يستخرجون كنزه) رواه الإمام أحمد، وابن حبان في صحيحه، وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال) رواه الإمام مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟) متفق عليه ، وقد ورد التصريح باسم الإمام في رواية أخرى سبق ذكرها .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق أو بدابق – بلدة في حلب -، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ ، فإذا تصافوا قالت الروم : خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم ، فيقول المسلمون : لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا تقاتلونهم. فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا ، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ، ويفتح الثلث لا يفتنون أبدا، فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون وذلك باطل –أي أن الخبر باطل!-، فإذا جاءوا الشام خرج –يعني الدجال-، فبينما يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى ابن مريم عليه السلام فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته) رواه مسلم، ومعنى أمهم : قصدهم.
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى ابن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعال صل بنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة) رواه مسلم، وفي هذه الرواية لم يصرح باسم المهدي وإن جاء التصريح بها في رواية أخرى كما أشرنا من قبل .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:( لو لم يبقى من الدنيا إلا ليلة لملك فيها رجل من أهل بيت النبي -صلى الله عليه و سلم-) رواه ابن حبان.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (يخرج في آخر الزمان خليفة يعطي الحق بغير عدد) رواه ابن ابي شيبة في مصنفه.
وقد صرح غير واحد من أهل العلم بأن مجموع الأحاديث الواردة في شأن المهدي عليه السلام قد بلغت حد التواتر، ومن هؤلاء : الإمام السفاريني حيث قال : "كون المهدي من ذريته - صلى الله عليه وسلم- مما تواتر عنه ذلك ؛ فلا يسوغ العدول عنه ولا الالتفات إلى غيره "، ويؤكد ذلك العلامة البرزنجي بقوله :" أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان وأنه من عترة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ولد فاطمة رضي الله عنها بلغت حد التواتر المعنوي؛ فلا معنى لإنكارها".
وأفرد القاضي محمد بن علي الشوكاني مصنفا أسماه "التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح"، ومما جاء فيه: " الأحاديث الواردة في المهدي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول ، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي؛ فهي كثيرة أيضا، لها حكم الرفع؛ إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك".
ومن جملة تلك الآثار، ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : "لا تمضي الأيام والليالي حتى يلي منا أهل البيت فتى لم تلبسه الفتن ولم يلبسها"، فقيل له: "يا أبا عباس، تعجز عنها مشيختكم وينالها شبابكم؟!"، فقال: "هو أمر الله يؤتيه من يشاء"، رواه ابن عساكر في تاريخه، وأخرجه ابن حنبل في فضائل الصحابة.
ومنها ما جاء عن محمد بن الحنفية قال : كنا عند علي رضي الله عنه ، فسأله رجل عن المهدي ، فقال علي رضي الله عنه : هيهات، ثم عقد بيده سبعا فقال : ذاك يخرج في آخر الزمان، إذا قال الرجل الله الله قتل ، فيجمع الله تعالى له قوما قزع كقزع السحاب -أي أنهم قلة -، يؤلف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون إلى أحد، ولا يفرحون بأحد، يدخل فيهم على عدة أصحاب بدر لم يسبقهم الأولون و لا يدركهم الآخرون و على عدد أصحاب طالوت الذين جاوزا معه النهر، رواه الحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي – أي المهدي -، رواه الترمذي .
هذا ما تيسر جمعه من الأحاديث والآثار الصحيحة، كان المقصود منها أصالة إثبات وجود الأصل الشرعي لهذه القضية ، دون الخوض في فقه هذه الأحاديث ومقاصدها ومعانيها .