- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:من الحديبية إلى تبوك
تفرغ المسلمون بعد صلح الحديبية لتصفية خطر يهود خيبر الذي أصبح يهدد أمنهم، فسار الجيش الإسلامي بقيادة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى خيبر بروح إيمانية عالية، على الرغم من علمهم بمنعة حصون خيبر، وكثرة عتادها الحربي .. وكان المسلمون في سيرهم يكبرون ويهللون بأصوات مرتفعة، فطلب منهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرفقوا بأنفسهم قائلا لهم : (.. إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم )(البخاري) ..
علم يهود خيبر بمسير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليهم، فهربوا إلى حصونهم، وحاصرهم المسلمون داخلها، وأخذوا في فتحها واحدا تلو الآخر، بعد مقاومة شديدة وصعوبة كبيرة، ونصر الله رسوله، وسقطت خيبر وحصونها بيد المسلمين، وبلغ عدد قتلى اليهود في معارك خيبر ثلاثة وتسعين رجلا، واستشهد من المسلمين عشرون صحابيا ..
عن أنس ـ رضي الله عنه ـ : ( أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج إلى خيبر فجاءها ليلا، وكان إذا جاء قوما بليل لا يغير عليهم حتى يصبح، فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم(آلات زراعية)، فلما رأوه قالوا محمد والله، محمد والخميس (الجيش) . فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين )(البخاري) ..
سجلت لنا غزوة خيبر مواقف ودروسا كثيرة، ينبغي الوقوف معها للاستضاءة بنورها، والاستفادة من عبرها ومعانيها، ومنها : الأعمال بالخواتيم ..
حسن الخاتمة وفضل الشهيد :
ذكر ابن القيم في زاد المعاد, وابن كثير وابن هشام في السيرة، والبيهقي في دلائل النبوة، والسيوطي في الخصائص الكبرى :
عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة خيبر، فخرجت سرية فأخذوا إنسانا معه غنم يرعاها ، فجاؤا به إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فكلمه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما شاء الله أن يكلمه به، فقال له الرجل: إني قد آمنت بك وبما جئت به، فكيف بالغنم يا رسول الله؟! فإنها أمانة، وهي للناس الشاة والشاتان وأكثر من ذلك؟، قال: أحصب وجوهها ترجع إلى أهلها، فأخذ قبضة من حصباء(حجارة صغيرة) أو تراب فرمى به وجوهها، فخرجت تشتد حتى دخلت كل شاة إلى أهلها، ثم تقدم إلى الصف فأصابه سهم فقتله، ولم يصل لله سجدة قط (أبدا) ..
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أدخلوه الخباء(الخيمة)، فأدخل خباء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، حتى إذا فرغ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل عليه ثم خرج، فقال: لقد حسن إسلام صاحبكم، لقد دخلت عليه وإن عنده لزوجتين له من الحور العين ) ..
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ : ( أن رجلا أسود أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا رسول الله، إني رجل أسود، منتن الريح، قبيح الوجه، لا مال لي، فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل فأين أنا؟، قال : في الجنة .. فقاتل حتى قتل، فأتاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : قد بيض الله وجهك، وطيب ريحك، وأكثر مالك، وقال ـ لهذا أو لغيره ـ : لقد رأيت زوجته من الحور العين نازعته جبة له من صوف تدخل بينه وبين جبته )(الحاكم) ..
الحور العين: نساء أهل الجنة ، جبته: ثوب سابغ واسع الكمين مشقوق المقدم يلبس فوق الثياب .
بطل ـ لكنه إلى النار( نموذج لسوء الخاتمة ) ـ :
عن سهل بن سعد الساعدي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة (ما صغر وكبر) إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أما إنه من أهل النار، فقال رجل من القوم : أنا صاحبه( ألازمه ) .. قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جرحا شديدا، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض، وذبابه (طرفه الذي يضرب به) بين ثدييه ثم تحامل على نفسه فقتل نفسه ..
فخرج الرجل إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : أشهد أنك رسول الله، قال : وما ذاك؟ ، قال : الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك ، فقلت : أنا لكم به، فخرجت في طلبه، ثم جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه في الأرض، وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه .. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند ذلك : إن العبد ليعمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار، ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار وهو من أهل الجنة، وإنما الأعمال بخواتيمها )(البخاري)..
الأعمال بالخواتيم درس علمه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه والمسلمين من بعدهم، فعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( والذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، ثم يدركه ما سبق له في الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يدركه ما سبق له في الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها )(البخاري) ..
وهذا ما ظهر بصورة واقعية في غزوة خيبر، فالناس في خواتيم حياتهم وأعمالهم بين عبد يختم له بخير، وآخر يختم له بشر .. ومن ثم فعلى المسلم أن يدعو الله دائما بحسن الخاتمة، ويعمل بالأسباب التي توصل إليها، وأن يستعيذ بالله دائما من سوء الخاتمة، ويبتعد عن جميع الأسباب التي تؤدي لها ..