فضل الوضوء الكامل

0 2780

عن حمران مولى عثمان بن عفان أنه رأى عثمان بن عفان دعا بوضوء -وهو الماء الذي يتوضأ به-، فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين ثلاثا، ثم مسح برأسه، ثم غسل كل رجل ثلاثا، ثم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ نحو وضوئي هذا، وقال: (من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه -أي بشيء من أمور الدنيا-، غفر الله له ما تقدم من ذنبه).

معنى الوضوء:

الوضوء في لغة العرب: مأخوذ من الوضاءة، وهي النظافة والنضارة والضياء والحسن والبهجة، والوضوء في الشرع: اسم للفعل الذي هو استعمال الماء في أعضاء معينة على صفة مخصوصة بنية.

والوضوء -بفتح الواو- هو الماء الذي يتوضأ به، وسمي بذلك لأنه يضفي على الأعضاء الوضاءة والحسن، ويمنحها الضياء من ظلمة الذنوب.

حكم الوضوء:

يجب الوضوء على المسلم البالغ العاقل إذا كان محدثا حدثا أصغر وأراد الصلاة أو نحوها مما تشترط له الطهارة؛ لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} [المائدة:6]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) رواه البخاري ومسلم، وقال أيضا: (لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول) رواه مسلم، والمقصود بالغلول: الخيانة، ويجب الوضوء إذا دخل وقت الصلاة، وعند إرادة فعل ما يشترط له الوضوء مما سيأتي بيانه.

شروط الوضوء

يشترط لصحة الوضوء ما يلي:

1- الإسلام والعقل والتمييز؛ فلا يصح الوضوء من كافر ولا مجنون ولا صغير غير مميز.
2- أن يكون الماء المستخدم في الوضوء مطلقا (وهو الماء الطاهر في ذاته المطهر لغيره، وهو الباقي على صفته التي خلقه الله تعالى عليها).
3- عدم وجود المنافي للوضوء كالحيض والنفاس ونحوهما.
4- أن يتقدمه الاستنجاء أو الاستجمار عند وجود ما يقتضيهما.
5- إزالة الخبث والنجاسة عن أعضاء الوضوء.
6- معرفة صفة الوضوء وكيفيته.
7- عدم وجود حائل يمنع وصول الماء إلى البشرة مثل طلاء الأظفار أو الشمع أو مواد الطلاء والأصباغ.
8- أن يجري الماء على العضو المغسول، فلا يكفي مجرد مسح ما يجب غسله بالماء.
9- استيعاب الأعضاء المغسولة بالماء بغسل جزء مما يتصل بها.
10- عدم الصارف للوضوء، وذلك بدوام النية وعدم قطعها. 

فروض الوضوء

فروض الوضوء لا يصح الوضوء إلا بها، ومن ترك فرضا منها بطل وضوؤه، ويجب إعادته ليصح، وفروض الوضوء سبعة، وهي:

1- النية: تجب النية في الوضوء؛ لأنه عبادة، وبالنية تتميز العبادة، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) رواه البخاري ومسلم. أي لا تصح العبادة ولا يعتد بها شرعا إلا إذا نويت، ولا يحصل للمكلف أجرها إلا إذا أخلص فيها.

ومعنى النية في اللغة: القصد، ومعناها شرعا: قصد الشيء مقرونا بفعله، ومحل النية القلب، ولا يجب التلفظ بها باللسان.

وكيفية النية: أن ينوي بقلبه أداء فرض الوضوء، أو رفع الحدث، أو استباحة الصلاة أو غيرها مما يشترط له الوضوء، وإن نوى شخص بالوضوء رفع الحدث مع التبرد والتنظف، صح وضوؤه.

ووقت النية: عند غسل أول جزء من الوجه، لأنه أول الوضوء.

2- غسل جميع الوجه: يجب غسل الوجه لقول الله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} [المائدة:6]، وحدود الوجه طولا: من منابت الشعر إلى أسفل الذقن، وعرضا: من الأذن إلى الأذن.

ويجب غسل كل ما على الوجه من حاجب وشارب ولحية، ظاهرا وباطنا؛ لأنها من أجزاء الوجه، إلا إذا كانت اللحية كثيفة (وهي التي لا يرى ما تحتها)، فإنه يكفى غسل ظاهرها دون باطنها. ولكن يجب غسل جميع اللحية المسترسلة التي تنزل عن حد الوجه.

3- غسل اليدين مع المرفقين: يجب غسل اليدين مع المرفقين لقول الله تعالى: {وأيديكم إلى المرافق} [المائدة:6]، والمرافق: جمع مرفق، وهو مجتمع الساعد مع العضد، و(إلى) بمعنى: (مع) أي: مع المرافق، دل على ذلك أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه توضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: "هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ" رواه مسلم. ومعنى (أشرع في العضد، وأشرع في الساق): أدخلهما في الوضوء.

ويجب تعميم جميع الشعر والبشرة والأظفار بالغسل، فلو تراكم الوسخ تحت الأظفار بما يمنع وصول الماء، أو كان الخاتم ضيقا بحيث يمنع وصول الماء لم يصح الوضوء، فيجب حينئذ إزالة الوسخ وتحريك الخاتم لإسباغ الوضوء وإتمامه.

وإذا قطع بعض اليد، وجب غسل ما بقي منها؛ وإن قطعت اليد من المرفق، وبقي رأس العضد، وجب غسله، وإن كان للشخص إصبع زائدة، وجب غسلها.

4- مسح بعض الرأس: يجب مسح الرأس، لقول الله تعالى: {وامسحوا برءوسكم} [المائدة:6]، ويصح مسح بشرة الرأس، أو الشعر الذي في حدوده؛ لأن الجميع يسمى رأسا، لكن لا يجزئ مسح الشعر النازل عن الرأس.
 

5- غسل الرجلين مع الكعبين: يجب غسل الرجلين مع الكعبين لقول الله تعالى: {وأرجلكم إلى الكعبين} [المائدة:6]، والكعبان مثنى الكعب: وهو العظم الناتئ من كل جانب عند مفصل الساق مع القدم، و(إلى) بمعنى: (مع)، أي: مع الكعبين، دل على ذلك: ما جاء في حديث أبي هريرة السابق في وصفه وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: "ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق".

ويجب إيصال الماء إلى جميع الرجلين بحيث لا يبقى منهما ولو موضع ظفر، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر، فتوضئوا وهم عجال [مستعجلون]، فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء) رواه البخاري ومسلم، ومعنى (أسبغوا الوضوء): أتموه وأكملوه باستيعاب العضو بالغسل.

وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه "أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ارجع فأحسن وضوءك) فرجع، ثم صلى" رواه مسلم، فرجع: أي فأتم وضوءه وأحسنه، وهو يدل على أنه لا يجزئ الوضوء إذا بقي أدنى جزء من العضو دون غسل.

وإذا قطع جزء من القدم وجب غسل الباقي، كما سبق في اليد، وإن قطع القدم كاملا يجب غسل موضع القطع، وإن قطعت فوق الكعبين فلا يجب شيء.

ويجب إزالة ما على القدمين مما يمنع وصول الماء، كما يجب تخليل الأصابع إذا كانت ملتفة بحيث لا يصل الماء إليها بالغسل.

6- الترتيب: يجب أن يتم الوضوء بالترتيب؛ فيغسل المتوضئ وجهه، ثم يديه، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه؛ وهذا مستفاد من قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} [المائدة:6]، حيث ذكرت فروض الوضوء مرتبة.

ووجوب الترتيب في الوضوء مستفاد أيضا من فعله صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يتوضأ إلا مرتبا كما جاء في الآية الكريمة، وقد ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة ومنها حديث أبي هريرة السابق، وفيه العطف بـ(ثم)، وهي تفيد الترتيب باتفاق.

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتابه "المجموع": "واحتج الأصحاب من السنة بالأحاديث الصحيحة المستفيضة عن جماعات من الصحابة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وكلهم وصفوه مرتبا، مع كثرتهم وكثرة المواطن التي رأوه فيها وكثرة اختلافهم في صفاته في مرة ومرتين وثلاث وغير ذلك، ولم يثبت فيه مع اختلاف أنواعه صفة غير مرتبة، وفعله صلى الله عليه وسلم بيان للوضوء المأمور به، ولو جاز ترك الترتيب لتركه في بعض الأحوال لبيان الجواز كما ترك التكرار في أوقات" ا.هـ.

7- الموالاة: والمقصود بها أن يكون غسل العضو عقب الذي قبله مباشرة بدون تأخير؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم يتوضأ متواليا، ولما رواه أبو داود من أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة، واللمعة: الموضع الذي لم يصبه الماء في الوضوء أو الغسل، ووجه الدلالة من هذا الحديث أن الموالاة في غسل أعضاء لو لم تكن مفروضة، لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرجل بإعادة والوضوء كله، ولاكتفى بأمره بغسل القدر الذي فاته فقط. 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة