- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:مساوئ الأخلاق
الحمد لله ذي الفضل والمن، والصلاة والسلام على خير البشر وآله وصحابته ومن عمل بسنته واقتدى بهديه، وبعد:
فإن الله تعالى أنعم على العباد بما لا يعد ولا يحصى من النعم { وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الأنسان لظلوم كفار} (إبراهيم:34) .
وفي حين كان الواجب على العباد شكر هذه النعم واستعمالها فيما يرضي الله تعالى فإن أقواما من الناس لم يشكروا نعم الله تعالى بل طغوا وتجبروا ووصلوا إلى حالة من البطر.
ما هو البطر؟
إن للبطر معاني متعددة، لكن ما يتعلق بما نحن بصدده أن البطر هو الطغيان بالنعمة، وتجاوز الحد بحيث لا يؤدي حق النعمة ويصرفها إلى غير وجهها.
ويقول العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى: البطر: سوء احتمال الغنى ومعناه التقصير في شكره، ورؤية المنة به، وهو والمرح وسيلتان إلى الطغيان.
ويقول القرطبي رحمه الله عن البطر في قول الله تعالى {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس } (الأنفال/ 47): معناه: التقوي على المعاصي بنعم الله- عز وجل- وما ألبسه من العافية، والمعنى: خرجوا بطرين مرائين، وقد نزلت في أبي جهل وأصحابه الذين خرجوا يوم بدر لنصرة العير. وقد جرى ما جرى من إهلاكهم.
أنواع البطر:
للبطر أنواع عديدة أهمها:
1- بطر الغنى.
2-بطر الملك.
وكلاهما مما يجب التحرز منه، قال تعالى في النوع الأول: {إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى} (العلق/ 6- 7). وقال في النوع الثاني في حق فرعون: { فحشر فنادى * فقال أنا ربكم الأعلى} (النازعات/ 23- 24).ويمكن أن يضاف إلى ذلك:
3- بطر المنصب والوظيفة.
4-بطر الجاه والمكانة الاجتماعية.
وكلاهما يمكن حمله على النوعين الأولين.(نضرة النعيم)
عاقبة البطر
إن البطر من أعظم أسباب الهلاك والدمار وتبدل النعم وزوالها، وقد حذر الله تعالى عباده من هذا المصير المشابه لمصائر أمم بطرت ولم تشكر فقال: { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين }(القصص: 58). يقول الإمام ابن كثير رحمه الله: يقول الله تعالى معرضا بأهل مكة في قوله تعالى: {وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها } أي طغت وأشرت وكفرت نعمة الله فيما أنعم به عليهم من الأرزاق، كما قال في الآية الأخرى: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان إلى قوله تعالى فأخذهم العذاب وهم ظالمون }(النحل/ 112- 113)، ولهذا قال تعالى: {فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا}، أي دثرت ديارهم فلا ترى إلا مساكنهم، وقوله تعالى:
{وكنا نحن الوارثين }أي رجعت خرابا ليس فيها أحد.
كما ذكر الله تعالى قصة قوم سبأ لتكون آية للناس وعبرة،{ لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور} (سبأ:15) جنة عن يمين وجنة عن شمال كلوا واشربوا من هذه النعم، بلدة طيبة معطاءة، ورب غفور يغفر الخطايا، استغفروا وكلوا وتمتعوا، فماذا كانت النتيجة؟ أعرضوا! وهذا الإعراض هو الذي دمر الأمم، فماذا كان من تلك الجنات؟ وأين ذهبت؟ {فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل. ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور} (سبأ16-17).
لقد وهبهم الله من النعم الشيء الكثير حتى جعل بين قراهم والقرى الأخرى التي يسافرون إليها قرى يستريحون فيها ويأخذون منها احتياجاتهم لكنهم ملوا النعمة وبطروا فقالوا: { ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم }(سـبأ: من الآية19)
فماذا كانت العاقبة؟
لم يبق منهم إلا أحاديث يتحدث بها الناس وأمثلة تضرب لمن طغوا وبطروا معايشهم: { فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}(سـبأ: من الآية19).
هذا كله في الدنيا اما في الآخرة فيبقى الوزر والسؤال بين يدي الله تعالى، وتأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: " إن الله لا ينظر إلى من يجر إزاره بطرا"(البخاري ومسلم واللفظ له).
وحين تكلم النبي صلى اله عليه وسلم عن الخيل قال: " الخيل ثلاثة: فهي لرجل أجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر. فأما التي هي له أجر، فالرجل يتخذها في سبيل الله ويعدها له، فلا تغيب شيئا في بطونها إلا كتب الله له أجرا، ولو رعاها في مرج، ما أكلت من شيء إلا كتب الله له بها أجرا، ولو سقاها من نهر كان له بكل قطرة تغيبها في بطونها أجر، ولو استنت شرفا أو شرفين كتب له بكل خطوة تخطوها أجر. وأما الذي هي له ستر فالرجل يتخذها تكرما وتجملا ولا ينسى حق ظهورها وبطونها في عسرها ويسرها. وأما الذي عليه وزر فالذي يتخذها أشرا وبطرا وبذخا ورياء الناس، فذاك الذي هي عليه وزر..."الحديث(البخاري ومسلم واللفظ له).
فليحذر العبد من البطر فإنه من فخاخ الشيطان التي يوقع بها ابن آدم في الهلاك، نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة، وصلى الله على سيدنا محمد والحمد لله رب العالمين.