- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:أحاديث الأحكام
الشريعة الإسلامية شريعة سمحة سهلة لا عنت فيها ولا مشقة، وحيثما وجدت الحاجة فإن الله تعالى يشرع من الرخص ما تتيسر به عبادة المسلم، فيؤديها برضا نفس وانشراح صدر، ومن هذه الرخص الشرعية: المسح على الخفين، فعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال، ثم توضأ ومسح على خفيه) رواه البخاري ومسلم، وعن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: (دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين) فمسح عليهما" رواه البخاري ومسلم.
المفردات:
الخفان: مثنى خف، وهما الحذاءان المصنوعان من جلد، الساتران للكعبين، والكعبان: هما العظمان الناتئان عند مفصل القدم مع الساق.
ويلحق بالخفين كل ما يلبس على الرجلين من صوف ونحوه، والمقصود: المسح على بعض الخفين في الوضوء بدلا من غسل الرجلين.
حكم المسح على الخفين:
المسح على الخفين بدلا من غسل الرجلين في الوضوء جائز بإجماع الفقهاء من أهل السنة والجماعة، وقد شرعه الله تعالى رخصة في الحضر والسفر تخفيفا على المسلمين، ودفعا للحرج والمشقة عنهم، ودليل جوازه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، يقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال، ثم توضأ ومسح على خفيه) رواه البخاري ومسلم.
وإسلام جرير رضي الله تعالى كان متأخرا، في السنة العاشرة للهجرة النبوية المباركة، أي بعد نزول آية الوضوء التي في سورة المائدة، وقد نزلت سورة المائدة سنة ست من الهجرة، فلا يكون الأمر الوارد فيها بغسل الرجلين ناسخا للمسح على الخفين.
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "ليس في قلبي من المسح على الخفين شيء؛ فيه أربعون حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ومعنى كلامه رحمه الله تعالى: ليس في قلبي أدنى شك في جوازه!.
المسح على الجورب:
يجوز المسح على الجورب إذا كان صفيقا (كثيف النسج)، وأمكن تتابع المشي عليه.
أيهما أفضل؛ غسل الرجلين في الوضوء أم المسح على الخفين؟
المسح على الخفين وإن كان جائزا، فإن غسل الرجلين أفضل منه. ولكن بشرط أن لا يترك المسح رغبة عن السنة؛ وذلك لأن الغسل هو الأصل، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على الغسل في معظم الأوقات.
شروط المسح على الخفين:
يشترط لجواز المسح على الخفين سبعة شروط استنبطها أهل العلم من النصوص النبوية والقواعد العامة في الشريعة، يجب مراعاتها عند إرادة المسح، وهي:
1- اللبس على طهارة:
فيشترط لجواز المسح على الخفين أن يلبسهما بعد وضوء كامل؛ فعن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأهويت لأنزع خفيه [أي مددت يدي لأنزعهما]، فقال: دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين [أي لبستهما بعد تمام الوضوء]. فمسح عليهما) رواه البخاري ومسلم.
2- ستر محل الفرض:
يشترط لجواز المسح على الخفين أن يكونا ساترين لجميع المحل المفروض غسله من القدمين، أي إلى الكعبين؛ لأنهما لا يسميان خفين إلا إذا كانا كذلك. ولو ظهر من محل الفرض شيء، لم يصح المسح.
3- منع نفوذ الماء:
يشترط لجواز المسح على الخفين أن يمنعا نفوذ الماء إلى القدمين من غير محل الخياطة؛ لأن هذا هو الغالب في الخفاف.
ويجوز المسح عليهما ولو كانا مشقوقين من أعلى إذا شدا بوثاق ونحوه ، بحيث لا يظهر شيء من محل الفرض إذا مشى؛ لأنهما لا يلبسان ولا ينتفع بهما إلا كذلك غالبا.
4- قوة الخفين:
وذلك بأن يكونا قويين يمكن تتابع المشي عليهما لقضاء الحاجات العادية لمدة يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر.
5- الطهارة:
يشترط لجواز المسح على الخفين أن يكونا طاهرين، فلا يصح المسح على النجس، كالخفين المتخذين من جلد حمار أو جلد ميتة لم يدبغ، وأما لو كانا من جلد ميتة مدبوغ فيجوز؛ لأن جلد الميتة يطهر بالدباغ.
6- إباحة لبسهما:
فلا يجوز المسح على خف مسروق، ولا مغصوب، ولا متخذ من حرير بالنسبة للرجال ، لأن لبسه معصية، والرخص لا تستباح بالمعاصي.
7- أن يكون المسح في المدة المحددة شرعا: وسيأتي بيان ذلك تفصيلا.
مدة المسح على الخفين:
مدة المسح على الخفين بالنسبة للمقيم: يوم وليلة، وبالنسبة للمسافر سفرا يبيح له القصر: ثلاثة أيام بلياليهن، فعن شريح بن هانئ قال: أتيت عائشة رض الله تعالى عنها أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب، فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه، فقال: (جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم) رواه مسلم.
ومن بدأ المسح في الحضر ثم سافر أتم مسح مقيم، فيمسح يوما وليلة، ومن بدأ المسح في السفر ثم أقام أتم مسح مقيم؛ لأن الأصل الإقامة، والمسح رخصة، فيؤخذ فيه بالأحوط. وإذا اجتمع في العبادة جانب السفر والحضر، غلب حكم الحضر احتياطا.
متى تبدأ مدة المسح؟
تبدأ مدة المسح من حيث يحدث بعد لبس الخفين؛ لأن المسح على الخفين عبادة مؤقتة، لها ابتداء وانتهاء، فيبدأ الوقت من حين جواز فعلها، ويبدأ جواز المسح بعد الحدث. فإذا توضأ لصلاة الصبح، ولبس الخفين، ثم أحدث عند طلوع الشمس، فإن المدة تحسب من طلوع الشمس.
صفة المسح عليهما:
الواجب مسح شيء ولو قل من أعلى الخف، من الظاهر؛ فعن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين، على ظاهرهما) رواه الترمذي.
ولا يجزئ الاقتصار على مسح أسفل الخفين؛ لأن ذلك لم يرد، والرخصة يجب فيها الاتباع، فعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه) رواه أبو داود.
مبطلات المسح:
يبطل المسح على الخفين بأحد الأمور التالية:
1- خلع الخفين أو أحدهما، أو ظهور بعض القدم .
2- انقضاء مدة المسح؛ لأن المسح عبادة مؤقتة من قبل الشرع، فلا تجوز الزيادة على المدة المشروعة للمقيم والمسافر.
3- حصول ما يوجب الغسل (كالجنابة) أثناء مدة المسح، فإذا لزمه الغسل خلعهما وغسل رجليه؛ لأن المسح عليهما بدل غسل الرجلين في الوضوء، لا في الغسل، فعن صفوان بن عسال رضي الله تعالى عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا [مسافرين] أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم) رواه الترمذي وابن ماجه.