فأما الزبد فيذهب جفاء

1 1161

حصول الحركة الإسلامية بأغلبية أصوات الناخبين في البلاد العربية - المتمثلة بتونس والمغرب ومصر حتى الآن - كانت متوقعة لدى معظم المراقبين والباحثين في الشأن العربي، ولا تقتصر أسباب ذلك النجاح بنقاء سيرة حركات الإسلام السياسي وجهودها وتضحياتها الجسيمة فحسب، بل إن السبب الرئيسي هو المقام الأعلى للإسلام في الوجدان العربي، دينيا وثقافيا وحضاريا.

فمنذ نشوء الحركة الإسلامية المعاصرة الأم المتمثلة بجماعة الإخوان المسلمين مطلع القرن العشرين، وأعداء الإسلام يتربصون بها ويحاربونها ويمكرون ليل نهار للنيل منها ومن أتباعها، فبعد الجهود التي بذلها كل من الأئمة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وغيرهم لتجديد الفكر الإسلامي ومحاربة الجهل والخرافات، جاء الإمام حسن البنا ليحرك هذا الفكر ويطبقه على أرض الواقع، إذ لا معنى للعلوم دون العمل بها، كما أنه لا معنى للإيمان دون العمل الصالح.

منذ تلك الفترة وحتى اليوم حدثت تحولات عالمية كبيرة، تطلبت تحولات فكرية جذرية لدى الحركة الإسلامية، إذ تبنت بعض جماعاتها العنف كوسيلة للوصول إلى السلطة ثم تراجعت عنه، وتبنى كثيرون فكرة الإمارة أو الخلافة الإسلامية ثم قبلوا بعدها بالدولة المدنية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، إلى غير ذلك من تغيرات فكرية وعملية أثبتت حركية وحيوية حقيقية وحكمة واجبة في عصرنا.

من أهم مدلولات انتصار حركات الإسلام السياسي - الحالية والمقبلة - أن "الحرب على الإرهاب" - التي حملت في ظاهرها وباطنها كل الدلائل بأنها حربا على الإسلام، بل على الله - لم تفلح في صد الناس عن الإسلام وتخويفهم من كل من يرفع رايته أو يتبعه ظاهرا وباطنا، بل إن النتائج كانت عكسية، فأقبل الناس على الإسلام أكثر، واعتنقه عدد أكبر، ليس في بلاد العرب فحسب بل في عقر دار من أعلنها "حربا صليبية" على المسلمين، في مشهد تجلت فيه آية الله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}(الأنفال: 30).

المستقبل يحمل تحديات جسام للحركة الإسلامية، فكلما كبر التأييد كبرت المسؤولية، وكبرت الأمانة التي يحملها أبناء الحركة، ليس وحدهم بالطبع بل مع شركائهم في الوطن، فالأمة لا تنهض بفئة واحدة دون أخرى، وبفكر دون آخر، وعلى أبناء الأمة والحركة الإسلامية تحديدا إدراك ذلك، وأن يغلقوا باب التقوقع والانطواء على الذات.

إننا نعيش واقعا تقول الشواهد إنه سيغير مصير المنطقة، وإن التصريحات الإسرائيلية تدل على أنهم من ضمن ما سوف يتغير، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سماها "موجة إسلامية"، ومعارضته تسيبي ليفني تنبأت بأن "الربيع العربي" سيمطر على إسرائيل "غضبا"، وقائد في الجيش الصهيوني قال قبل بضعة أشهر إن "الربيع العربي" قد يتحول إلى "شتاء إسلامي متطرف"، وعاموس غلعاد قال بما معناه إن سقوط نظام الأسد ستكون عواقبه كارثية على إسرائيل.
ونحن نقول: {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}(الرعد: 17).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم: محمود عودة
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة