- اسم الكاتب:أحمد الشيباني
- التصنيف:خواطـر دعوية
إن سلوك الإنسان وأخلاقه وتصرفاته في الحياة مظهر من مظاهر عقيدته في حياته الواقعية وممارساته اليومية، فإن صلحت العقيدة الإيمانية صلح السلوك واستقام، وإذا فسدت فسد واعوج، ومن ثم كانت عقيدة التوحيد والإيمان بالله ضرورة، لا يستغني عنها الإنسان؛ ليستكمل شخصيته، ويحقق إنسانيته، وقد كانت الدعوة إلى عقيدة التوحيد أول شيء قام به الرسول - صلى الله عليه وسلم - لتكون حجر الزاوية في بناء الأمة المسلمة.
فثمرة كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ثمرة طيبة تؤتي أكلها في كل حين بإذن ربها، والمؤمن كذلك لا يزال يرفع له عمله الصالح في كل وقت حتى بعد مماته، وقد قال الله عنها: ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها)[إبراهيم:24-25].
وإذا سيطرت عقيدة التوحيد على النفس الإنسانية، أثمرت الفضائل الإنسانية العليا، فتسمو النفس عن الماديات الوضيعة، وتتجه دائما نحو الخير والنبل، والنزاهة والشرف، ويتخلق صاحبها بالشجاعة والكرم، والسماحة والطمأنينة، والإيثار والتضحية.
والمسلم إذا تمكنت العقيدة الإيمانية من نفسه تبرأ من الكافرين (من يهود، ونصارى، ووثنين، أو ملحدين، أيا كان لونهم أو فكرهم)، وما هم عليه من عقائد وأفعال، وسلوك وأخلاق، وانطلق يلتمس قدوته من الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وآخرهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن الصحابة الذين رباهم على يديه - صلى الله عليه وسلم - فكانوا هم النموذج الفريد من الرعيل الأول، والذين قال عنهم: [خير القرون قرني]، فكانوا قمما شامخة، ارتفعوا فوق جواذب الجاهلية ومفاتن الدنيا وما فيها من مغريات.
وقد سارت الأجيال المسلمة تنهل من التربية المثلى التي غرسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن الأخلاق الفاضلة التي لم تتغير من فرد إلى فرد، ولا من جيل إلى جيل، ولا من مجتمع إلى آخر، بل هي قيم ثابتة تزداد ثباتا كلما مرت الإنسانية في تجاربها خلال هذه الحياة، فهي أخلاق متكاملة تحتضن جميع الفضائل والأعمال الخيرة لصالح الفرد والمجتمع وفي جميع الميادين.
وغاية المسلم الأساسية في أخلاقه، أن يحقق مرضاة ربه في الآخرة، قال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}[الزلزلة: 7، 8]، كما أن المسلم يحقق سعادته في الدنيا قبل الآخرة، يقول تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) [الرعد:28]، فالسرور ثمرة عملية لمن يتحلى بالأخلاق الفاضلة، والطمأنينة القلبية والشعور بخيرية الذات وخيرية المصير، وهذه من ثمرات الانسجام بين الإيمان والأخلاق، وذلك نتيجة طبيعية؛ لأن الإنسان عندما يتصرف بمقتضى عقيدته يشعر بأنه إنسان خير قوي الإرادة، يتغلب على نوازعه الشريرة وشهواته، ويرتفع بنفسه إلى ما يرضي ربه، هذا في الدنيا، فهو في كل عمل يعمله - سواء كان هذا العمل مع نفسه، أو مع ربه، أو مع الناس - يدرك أن الله معه، ويتذكر دائما أن الله مطلع عليه، يقول: (الله مطلع علي، الله يراني)، ويتذكر قوله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}[ق:18]، رقابة من الله ومن الملائكة لحظة بلحظة، فهل يمكن أن يفكر أن يعصيه، أو يتمرد عليه وهو تحت رقابته؟ وإذا هو استطاع أن يفلت من عقوبة الدنيا ومحاكم الدنيا، فهل يمكنه أن يهرب من عقوبة الله في الآخرة؟ قال - تعالى -: ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين)[الأنبياء:47].
وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته]، والظلم درجات؛ ظلم المرء لنفسه بمعصية الله ومعصية رسوله، وظلم لغيره من الناس، فأما ظلمه لنفسه، فإن الله يغفره له بالتوبة، أما ظلمه لغيره، فإن الله لا يغفره حتى ترد الحقوق والمظالم إلى أصحابها، فإذا أيقن المؤمن ذلك، وعرف أن ذلك حق، وأنه لا يمكنه الهرب من الله إلا إليه، وأن عقوبة الآخرة أشد وأعظم من عقوبة الدنيا، وتأكد عنده يقينا أنه لن يفلت من العقوبة، فهل سيعصي الله، أو يخالف أوامره، أو يسرق مال غيره، أو يقتل غيره، أو يغش غيره، أو يقطع الطريق لنهب أموال غيره، أو يستولي على أرض غيره بدون وجه حق، أو يغتاب غيره، وغيرها من الذنوب والمعاصي؟!
وإذا تفحصنا العلاقات الاجتماعية في حياتنا المعاصرة نجد أن الاضطراب في السلوك هو الظاهرة السائدة، وأن الابتعاد عن الاستقامة مما تعج به أكثر المجتمعات الحديثة، فتجعل الإنسان في حيرة من نفسه، غير راض عما هو عليه حتى لو توفرت له جميع احتياجات الحياة وملذاتها، فهو بدون عقيدة الإيمان الصحيحة في قلق دائم، قال - تعالى -: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى}[طه:124-127].
فسوء الخلق دليل على ضعف الإيمان؛ ولذلك فقد ربط الإسلام بين الإيمان والسلوك ربطا قويا، ونلاحظ ذلك في نصوص كثيرة مثبتة في الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: [من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت]؛ رواه البخاري، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: [أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا]؛ رواه الترمذي وأبو داود، وعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحشا ولا متفحشا، وكان يقول: [إن من خياركم أحسنكم أخلاقا]؛ رواه البخاري.
إن قرن أو ربط الإيمان بحسن الخلق والسلوك الرفيع، أمر يلفت النظر، إلا أن كثيرا من المسلمين يهملون هذا الجانب في أيامنا هذه مع الأسف الشديد، فبينما كان المسلمون الأوائل إذا سمعوا آية فيها تكليف سارعوا إلى تطبيقه، وإذا نزل تحريم لأمر انتهوا عند ذلك؛ من صدق الإيمان وصلابة العقيدة في أنفسهم، وإذا أمرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بشيء نفذوه، وإذا نهاهم عن شيء انتهوا عنه، والحقيقة أن دعوى الإيمان شيء، والإيمان الحقيقي شيء آخر؛ إذ إن للإيمان حقيقة، وكل حقيقة لها علامة، وعلامة الإيمان العمل به، وإذا دخل الإيمان القلوب واستقر فيها، نبضت بالحيوية، ودفعت النفوس إلى العمل بموجبها.