حاجتنا لدراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم

0 1581


واقعنا كأفراد ومجتمعات في حاجة ماسة إلى دراسات تعيد للسيرة النبوية مكانتها ، باعتبارها واحدة من أهم مصادر الإسلام ، ومن المعلوم أن الله تعالى أمرنا بالتأسي والاقتداء بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم - ، فقال : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة }(الأحزاب: من الآية21) ، وقال : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم }(آل عمران:31) . فكيف يتحقق هذا الاقتداء وهذه المحبة دون معرفة حياته وسيرته ؟! . ومن ثم كانت حاجتنا لدراسة سيرته العطرة ـ صلى الله عليه وسلم ـ لها دواع كثيرة منها :

تعميق محبته ـ صلى الله عليه وسلم - :

إن تحقيق محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهم واجبات المسلم ، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين )(البخاري) ، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه )(أحمد) .

ودراسة السيرة النبوية من أهم وسائل تحقيق وتعميق هذه المحبة واستقرارها في القلوب ، ففيها معرفة قدر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشرفه وعلو منزلته ، وتأييده وحفظ الله له ، وكيف نزلت الملائكة تقاتل معه يوم بدر ويوم الأحزاب وحنين ، ومعجزاته الكثيرة التي أكرمه الله بها ، إذ كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر الرسل معجزة ، وأظهرهم آية ، فله من المعجزات التي وقعت وتكررت في أماكن مختلفة وأحداث متعددة ما لا يحد ولا يعد .

بل إن سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأحداثها ومواقفها ـ ذاتها ـ معجزة من معجزاته ، وآية من آيات نبوته كما قال ابن حزم : " .. فإن سيرة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمن تدبرها تقتضي تصديقه ضرورة ، وتشهد له بأنه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حقا ، فلو لم تكن له معجزة غير سيرته لكفى .." .

فلم يكن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مجرد عبقري سمت به عبقريته بين قومه ، ولكنه قبل ذلك رسول أيده الله بوحي من عنده ، قال الله تعالى : { وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى }(النجم 3 : 4) ، وقد أوتي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحظ الأوفر والنصيب الأكبر من جمال الصورة ، وتمام الخلقة ، وحسن الهيئة ، وما جبل عليه من حسن الخلق ، والرفق في المعاملة ، والعدل في الغضب والرضا . وكل هذا أثر أثرا بالغا في حبه والإقبال على دعوته ، ولا عجب فقد زكاه الله ـ تعالى ـ بقوله : { وإنك لعلى خلق عظيم }(القلم:4) ، ومن ثم فدراسة سيرته ومعرفة شمائله وأخلاقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما يزيد ويعمق حبه في القلوب .

السيرة والقرآن الكريم :

لا غناء للمسلمين عن السيرة النبوية وهم يعايشون القرآن الكريم وتفسيره ، ففي دراسة سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما يعين على فهم كتاب الله تعالى وتذوق روحه ومقاصده ، إذ إن كثيرا من آيات القرآن إنما تفسرها وتجليها الأحداث التي مرت برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومواقفه منها ، ولا شك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو أول وأعظم من فهم القرآن الكريم وفسره ، فهو مبلغ الرسالة عن ربه ـ عز وجل ـ ، كما أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يقدم تفسيره للقرآن في أقوال منطوقة فحسب ، ولكنه قدم هذا التفسير من خلال حياته العملية والدعوية كلها ، فكانت حياته كلها ترجمة فعلية للقرآن الكريم ، وكان القرآن خلقه - كما قالت عنه أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها - (أحمد).

الفهم الصحيح للنصوص :

دراسة السيرة النبوية تعين على الفهم الصحيح للنصوص ، وعدم الانحراف في الفهم والتطبيق ، من غير غلو أو جفاء ، لأننا حين نجمع النصوص إلى طريقة تطبيق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لها ، مع إيماننا المطلق بأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو أعلم أهل الأرض بمراد الله تعالى من قوله ، وأنه أوتي القرآن ومثله معه ـ وهو الحكمة ـ ، كما قال الله تعالى : { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا }(الأحزاب:34) ، ندرك شدة حاجتنا لدراسة السيرة النبوية ، لأنه ليس في إمكاننا فهم النصوص بمعزل عن سيرته وطريقة تطبيقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لها ، ونحن مأمورون في كتاب الله بطاعته واتباعه كما قال تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله }(النساء: من الآية80) ، وقال تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم }(آل عمران:31) .

السير على منهج القرآن الكريم :

دراسة سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سير على منهج القرآن الكريم الذي قص علينا سير الأنبياء السابقين مثل : آدم ، نوح ، إبراهيم ، يوسف ، موسى ، عيسى وغيرهم ـ عليهم الصلاة والسلام ـ . وذلك لتحقيق الأهداف التي من أجلها بسط الله تعالى سير الأنبياء عموما من الاقتداء بهم ، والاعتبار من قصصهم وحياتهم .

وقد كان سلفنا الصالح يفعلون ذلك مع السيرة النبوية المشرفة ، فكانوا يحفظون سيرة ومغازي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما يحفظون السورة من القرآن ، ويتواصون بتعلمها وتعليمها لأبنائهم ، فكان علي بن الحسين ـ رضي الله عنه ـ يقول : " كنا نعلم مغازي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما نعلم السورة من القرآن ".
وكان الزهري يقول : " علم المغازي والسرايا علم الدنيا والآخرة " .
وكان إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ يقول : " كان أبي يعلمنا المغازي ويعدها علينا " ، ويقول : " يا بني هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوها ".

القدوة :

في سيرته ـ صلى الله عليه وسلم - القدوة العملية للأجيال المسلمة على مر العصور ، فهي تقدم إلينا نماذج سامية للشاب المستقيم في سلوكه ، الأمين مع قومه وأصحابه ، كما تقدم النموذج الرائع للمسلم الداعي إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، ولرئيس الدولة الذي يسوس الأمور بحكمة بالغة ، وللزوج المثالي في حسن معاملته لأهله ، وللأب في حنو عاطفته ، وللقائد الحربي الماهر ، والسياسي الصادق الحكيم ، وللمسلم الجامع بين واجباته وعبادته لربه ، والمعاملة والمعاشرة الحسنة مع أهله وأصحابه .

فالسيرة النبوية هي النموذج العملي التطبيقي الذي وضعه الله ـ عز وجل ـ للناس لكي يقتدوا به ويتبعوه ، فكل من يبحث عن مثل أعلى في ناحية من نواحي الحياة فإنه سيجد ذلك نموذجا ماثلا في حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسيرته على أعظم ما تكون القدوة .

ومن ثم فإن حاجتنا لدراسة السيرة النبوية شديدة ، إذ أنها تعمق حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في القلوب ، وتحيي في الأمة روح العزة والسؤدد ، وتصلح ما فسد من أخلاقها وآدابها ، وتساعد على عدم الغلو أو الخطأ في فهم النصوص ، وتقدم القدوة وتبرز الجوانب الإنسانية والأخلاقية في أرفع نموذج وأتم صورة للاقتداء به واتباعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، كما قال الله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة }(الأحزاب: من الآية21) .

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة