الأدلة الشرعيّة على الحياة البرزخيّة

0 1958

الإيمان بالحياة البرزخية جزء من الإيمان باليوم الآخر؛ لأنه أول عتباته أو لنقل: بوابته، ولا يمكن أن يتم إيمان المرء ما لم يؤمن إيمانا جازما بالقيامة الصغرى والمعاد الأول –وهما الاسمان الآخران للحياة البرزخية- والتي تسبق البعث والنشور، والتي توافرت الأدلة الصحيحة الصريحة عليها، ونختار منها الآتي:

الدليل الأول قوله تعالى: { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} (غافر:46)، والمعنى المقصود أنهم يعرضون على النار فيصلهم من سمومها وعذابها كل يوم مرتين ، وقد دل العطف في قوله: {ويوم تقوم الساعة} أن عرضهم على النار حاصل قبل يوم القيامة، الأمر الذي يثبت وجود الحياة البرزخية ومباينتها لعالم الآخرة.

الدليل الثاني قوله تعالى: { وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم} (التوبة:101)، والمعنى أن الله سبحانه وتعالى كتب على أولئك المنافقين أن يعذبوا مرتين، إحداهما في إحداهما في الدنيا، والأخرى في القبر، وهذا الذي اختاره الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره حيث قال: " قوله جل ثناؤه: {ثم يردون إلى عذاب عظيم}، دلالة على أن العذاب في المرتين كلتيهما قبل دخولهم النار. والأغلب من إحدى المرتين أنها في القبر" وقد أورد كلاما لقتادة ومجاهد والحسن رحمهم الله يدل على هذا المعنى.

الدليل الثالث قوله تعالى: { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} (إبراهيم:27)، ودلالته على الحياة البرزخية مأخوذ من حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- : (المسلم إذا سئل في القبر، يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}) متفق عليه، ومعلوم أن سؤال الملكين هو أحد مشاهد عالم البرزخ.

الدليل الرابع قوله تعالى: { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} (طه:124)، والآية تبين أن جزاء المعرضين عن الدين والغافلين عن الذكر العقوبة بضنك العيش، والعطف في قوله تعالى: { ونحشره يوم القيامة أعمى} يؤكد أن هذا الضنك حاصل قبل يوم القيامة، والحياة اليرزخية داخلة في هذا الإطلاق، ويدل على هذا الدخول أن النبي –صلى الله عليه وسلم- فسر هذه الآية بعذاب القبر وذلك في قوله:( ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه فتلك المعيشة الضنكة التي قال الله:{ فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} ) رواه ابن حبان وحسنه الألباني ، وليس في ذلك حصر لمعنى الآية وقصره على عذاب القبر فالآية أعم من ذلك .

الدليل الخامس: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بحائط من حيطان المدينة أو مكة، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يعذبان، وما يعذبان في كبير)، ثم قال: (بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة). ثم دعا بجريدة، فكسرها كسرتين، فوضع على كل قبر منهما كسرة، فقيل له: يا رسول الله، لم فعلت هذا؟ قال: (لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا) أو: (إلى أن ييبسا) متفق عليه واللفظ للبخاري، والشاهد أن الحديث يثبت عذاب القبر الحاصل في الحياة البرزخية.

الدليل السادس: عن عائشة رضي الله عنها قالت: " دخلت علي عجوزان من عجز يهود المدينة، فقالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فكذبتهما ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا، ودخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت له: يا رسول الله إن عجوزين من عجز يهود المدينة دخلتا علي، فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فقال: (صدقتا، إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم) ، تقول عائشة رضي الله عنها: فما رأيته، بعد في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر " ، متفق عليه .

الدليل السابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال )، رواه مسلم.

الدليل الثامن: في الخطبة التي صلى فيها النبي –صلى الله عليه وسلم- صلاة الكسوف، وقف خطيبا على الناس بعد انتهائه من الصلاة، فوعظ الناس وذكرهم بالله، وكان من جملة ما قال: (إن الناس يفتنون في قبورهم كفتنة الدجال) رواه النسائي ، والمعنى أنها فتنة عظيمة وبلاء كبير كفتنة الدجال.

الدليل التاسع: حديث الفتنة الكبير، وهو الحديث الذي جلس فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- على شفير قبر ثم طلب من الصحابة أن يستعيذوا بالله من عذاب القبر، ثم ذكر لهم على وجه التفصيل لحظات نزع الروح واستقبال الملائكة لها والمشاهد الأولى من عالم البرزخ، مبينا اختلاف المشهد بين المؤمن والكافر، وفيه نص على جملة كبيرة من أحوال الميت في قبره، الحديث رواه الإمام أحمد والبيهقي في كتابه إثبات عذاب القبر.

الدليل العاشر: الإجماع الحاصل في المسألة، قال شيخ الاسلام أحمد بن تيمية رحمه الله :"مذهب سائر المسلمين ، بل وسائر أهل الملل ، إثبات القيامة الكبرى ، وقيام الناس من قبورهم ، والثواب والعقاب هناك ، وإثبات الثواب والعقاب فى البرزخ ، ما بين الموت الى يوم القيامة ، هذا قول السلف قاطبة ، وأهل السنة والجماعة ، وإنما أنكر ذلك فى البرزخ قليل من أهل البدع ".

وثمة أدلة أخرى تتعلق بأحوال خاصة لفتنة القبر وأماكن الأرواح وعلاقة الموتى ببعضهم وسماعهم –على من يقول ذلك- وما الذي يفيدهم وهم في قبورهم من أعمال الأحياء، وكلها تصب في إثبات أصل المسألة.

وبالجملة فإن إنكار وجود الحياة البرزخية هو إنكار لعذاب القبر ونعيمه، وإنكار ذلك هو جحد لما علم من الإسلام بالضرورة واتفق عليه سلف الأمة، ومثل ذلك خروج عن دائرة الإسلام وحقيقة الإيمان.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة