شعبة بن الحجاج .. المحدث الناقد

1 2242

ولد الإمام الحافظ أبو بسطام شعبة بن الحجاج بن الورد الأزدي العتكي بمدينة واسط بالعراق، سنة اثنتين وثمانين من الهجرة في خلافة عبد الملك بن مروان، وبها - أي بواسط - نشأ وترعرع، ثم ارتحل إلى البصرة فسكن بها إلى أن توفي.

بدأ الإقبال على الحديث مبكرا، فقد كان أبوه من علماء الحديث، وكانت أمه تحثه على السماع والطلب، وأما أخواه فقد فرغاه عن العمل وكفياه مؤونته، فأدرك من الصحابة أنس بن مالك وعمرو بن سلمة الجرمي - رضي الله عنهما -، وأخذ الحديث وسمعه من أربعمائة شيخ من التابعين، منهم: أنس بن سيرين وسلمة بن كهيل وسعيد بن أبي سعيد المقبري وقتادة بن دعامة وعمرو بن دينار ويحيى بن أبي كثير وعبيد بن الحسن وأيوب السختياني، ولقي الحسن البصري وأخذ عنه مسائل، حتى صار من أوعية العلم الذي لا يتقدمه أحد في الحديث في زمانه، إضافة إلى كونه عالم البصرة وشيخها.

وقد روى عنه أكابر العلماء وانتشر حديثه في الآفاق، فقد حدث عنه منصور بن المعتمر وسفيان الثوري وعلي بن حمزة الكسائي وإسماعيل بن علية وعبد الله بن المبارك ومحمد بن جعفر غندر وعبدة بن سليمان، وغيرهم كثيرون.

مناقبه وثناء الأئمة عليه:

كان إماما ثبتا حجة ناقدا جهبذا صالحا رأسا في العلم والعمل، وهو أول من جرح وعدل، وقد أخذ عنه هذا الشأن يحيى بن سعيد القطان وابن مهدي وطائفة، وكان سفيان الثوري يخضع له ويجله، ويقول: "شعبة أمير المؤمنين في الحديث".

وكان من نظراء الأوزاعي ومعمر والثوري في الكثرة، قال علي بن المديني: "له نحو من ألفي حديث"، وقال عنه الإمام الشافعي: "لولا شعبة لما عرف الحديث بالعراق".

وقال الإمام الذهبى فى تذكرة الحفاظ: قال أبو الوليد: "قال لى حماد بن زيد: إذا خالفني شعبة في الحديث تبعته، قلت: ولم يا أبا إسماعيل؟ قال: إن شعبة كان يسمع ويعيد ويبدئ، وكنت أنا أسمع مرة واحدة".

وقال أبو الوليد الطيالسى: "قلت ليحيى بن سعيد: رأيت أحدا أحسن حديثا من شعبة؟ قال: لا. قلت: فكم صحبته؟ قال: عشرين سنة".

وقفات مع سيرته:

أهم ما يمكن أن نقف عليه في حياة الإمام شعبة بن الحجاج - رحمه الله - :

- شدة تحريه في الحديث وكشف العلل: كان أول من فتش عن الحديث، وقال: "ما أعلم أحدا فتش الحديث كتفتيشي، وقال عنه الإمام أحمد بن حنبل: "كان شعبة أمة وحده فى هذا الشأن - يعنى فى الرجال وبصره بالحديث -".

وقد ذكر الإمام ابن رجب ذلك عند ترجمته لشعبة، حيث قال: "وهو أول من وسع الكلام في الجرح والتعديل واتصال الأسانيد وانقطاعها، ونقب عن دقائق علم العلل، وأئمة هذا الشأن بعده تبع له في هذا العلم".

وروى شعيب بن حرب عن شعبة قوله: "اختلفت إلى عمرو بن دينار خمسمائة مرة وما سمعت منه إلا مائة حديث"، وعن أبى الوليد قال: قال شعبة: "كنت آتى قتادة فأسأله عن حديثين فيحدثنى، ثم يقول: أزيدك؟ فأقول: لا حتى أحفظهما وأتقنهما".

- عبادته وخشيته وزهده في الدنيا: كان عابدا زاهدا يصوم الدهر كله، قال الإمام البغوي: حدثني جدي أحمد بن منيع، سمعت أبا قطن يقول: "ما رأيت شعبة ركع قط إلا ظننت أنه نسي، ولا قعد بين السجدتين إلا ظننت أنه نسي".

وقال عمر بن هارون: "كان شعبة يصوم الدهر كله"، وقال أبو بحر البكراوي: "ما رأيت أحدا أعبد لله من شعبة، لقد عبد الله حتى جف جلده على عظمه واسود".

وقال عبد السلام بن مطهر: "ما رأيت أحدا أمعن في العبادة من شعبة"، وكان شعبة بن الحجاج يقول: "ما شيء أخوف عندي من أن يدخلني النار من الحديث"، وقال حمزة بن زياد الطوسي: "سمعت شعبة - وكان ألثغ قد يبس جلده من العبادة - يقول: لو حدثتكم عن ثقة ما حدثتكم عن ثلاثة".

وأما زهده فيقول أبو الوليد: سمعت شعبة يقول: "إذا كان عندي دقيق وقصب ما أبالي ما فاتني من الدنيا".

وفاته:

توفي الإمام شعبة بن الحجاج بالبصرة سنة ستين ومائة من الهجرة، وعمره ثمان وسبعون سنة، قال الإمام الذهبى في سير أعلام النبلاء: قال سعد بن شعبة: "أوصى أبي إذا مات أن أغسل كتبه، فغسلتها"، قال الذهبى: وهذا قد فعله غير واحد: بالغسل وبالحرق وبالدفن، خوفا من أن تقع فى يد إنسان واه يزيد فيها أو يغيرها. رحمه الله رحمة واسعة.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة