أنواع الدعوات والدعاة

0 758

شؤون الحياة، وسبلها، وغاياتها، والسعي فيها، والدعوة إليها كثيرة ومتشعبة يجمعها ضربان: الحق والباطل. فالدعوة فيها إلى الله تعالى هي الحق وهي دعوة واحدة لا تشعب فيها ولا تناقض. والدعوة فيها إلى غير الله تعالى هي الباطل، وهي دعوات شتى كثيرة ومتناقضة، يقول الله تعالى: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل )(الحج:62)، والباطل كله ضلال : (فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال)(يونس:32).
فالله سبحانه وتعالى هو الإله الخالق، وكل ما عداه مخلوق له (رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده)(مريم:65)، فالدعوة إما أن تكون له وحده، وهذه هي دعوة الحق، ودعاتها دعاة الحق، وإما أن تكون دعوات لغيره أيا كان من المخلوقات: ملك، أو جن، أو نجم، أو جماد، أو حيوان، أو إنسان، أو شهوة، أو أوهام، فتلك هي دعوات الباطل والضلال، على رأس كل منها شيطان، ودعاتها دعاة الباطل والضلال (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين)(الأعراف:194) .

يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده، ثم قال : " هذا سبيل الله مستقيما، وخط عن يمينه وشماله ثم قال : هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ : (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون)(الأنعام:153)، وإنما وحد ( سبيله ) لأن الحق واحد، وجمع ( السبل ) لتفرقها وتشعبها كما قال تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات)(البقرة:257) .
فقد وحد سبحانه لفظ ( النور ) وجمع ( الظلمات ) لأن الحق واحد، والكفر أجناس كثيرة، وكلها باطلة، إلى غير ذلك من الآيات التي في لفظها إشعار بتفرد الحق، وانتشار الباطل وتشعبه .

وقد ميز الله تعالى بين الدعوتين والداعين إلى كل منهما، فقال تعالى : (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا) (مريم:48) ، وميز بين مصير دعوات المبطلين وهي باطل، وبين مصير دعوة الله تعالى وهي الحق، فقال تعالى : (أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون)(البقرة:221) .

دعوات الباطل
الدعوات إلى غير الله تعالى هي الباطل وهي الضلال، وقد نهى الله تعالى عنها فقال سبحانه: (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين)(يونس:106) .
وبين سبحانه أن الدعوات إلى غيره لا تصح، ولا ثمرة لها إلا لخسران، فقال تعالى: (تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار * لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة )(غافر: 42، 43) . أي لا يصح أن يدعى ويحث عليه إذ هو ليس بذي بال ولا قدر .
وبين سبحانه أن دعاة الباطل لا سند لهم ولا برهان، وأنهم لا يفلحون أبدا : (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون)(المؤمنون:117) .
وبين جماع صفات دعاة الباطل وهي الكفر، ومصير دعواتهم وهو الضلال والضياع، فقال تعالى: (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال)(الرعد:14) ، وقال سبحانه: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون)(الأحقاف:5) .
ونهى عن مشاركتهم في منهجهم وسلوكهم فقال تعالى آمرا: (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين)(غافر:66) .
وبين حقيقة ما يدعون إليه من دون الله تعالى ونهجهم وهدفهم فقال تعالى: (يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير) (الحج:13) ، وقال سبحانه: (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب * ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز) (الحج:74) ، وقال عز من قائل : (إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا * لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا * ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا * يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا * أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا)(النساء:117 - 121) ، وقال تعالى : (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون * أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون)(النحل:20، 21) ، وقال تعالى : (والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء)(غافر:20) .

دعوة الحق
والدعوة إلى الله تعالى وحده هي دعوة الحق، يقول الله تعالى (له دعوة الحق)(الرعد:14)، أي الدعوة الحق لله وحده .
وقد بين سبحانه أنها طريق الاستقامة والمغفرة: (وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم)(المؤمنون:73) وقال تعالى : (يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم)(إبراهيم:10).
وقد وجه الله سبحانه رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إلى الدعوة إليه وحده فقال تعالى : (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون)(الأنبياء:25) ، وقال تعالى : (وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين * ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو)(القصص: 87، 88) ، وقال تعالى : (وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم)(الحج:67) ، وقال سبحانه : (والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم)(الحديد:8) .
ودعا المؤمنين ليكونوا دعاة إلى الله تعالى وحده وأن تقوم أمة منهم على أمر الدعوة إليه فقال تعالى : (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)(آل عمران:104) . وعرفهم منهجهم وسبيلهم في الدعوة إلى الله تعالى وحده فقال تعالى : (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)(يوسف:108) .
وبينن منزلة الدعوة إلى الله تعالى وأنها بمكان لا يدانيها مكان (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين)(فصلت:33) .
ودعا إلى الاستجابة لدعوته سبحانه ولدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم (الأنفال:24)
وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بصبر النفس مع الذين يدعون ربهم : (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم)(الكهف:28) .
وبين أن الدعاة إلى الله تعالى إنما يدعون بدعوة الله إلى الجنة والمغفرة بإذنه : (والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه)(البقرة:221) ، وقال تعالى : (والله يدعو إلى دار السلام)(يونس:25) .
.............................
"فصول في الدعوة الإ

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة