- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:من بدر إلى الحديبية
ارتبطت أسماء بعض الغزوات بحجم المعاناة والمشقة التي كان يجدها النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته ، في سبيل الدعوة ونشر الإسلام .
ومع غزوة من هذه الغزوات التي بلغ الجهد فيها بالصحابة مبلغه ، حتى لبسوا الجلود والخرق واستخدموها كنوع من الأحذية ، بدلا من النعال أو الخف ، وقد سجل التاريخ أحداث هذه الغزوة في السنة السادسة للهجرة .
فبعد أن تم القضاء على فتنة اليهود ، وكسر شوكة قريش ومن معها ، بقي هناك خطر آخر ، وهو الأعراب القساة ، المتواجدون في صحاري نجد ، والذين لم يتوقفوا عن أعمال النهب والسلب ، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - تأديبهم وإخماد نار فتنتهم من جهة ، وتوطيد الأمن وحماية المنطقة من جهة أخرى .
وعندما سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - باستعداد هؤلاء لقتاله حزم أمره ، ونادى أصحابه بالغزو ، وبإعداد العدة ، وسارع المسلمون إلى أسلحتهم وتجمعوا للحرب ، حتى بلغوا فيما قيل أربعمائة أو سبعمائة مقاتل .
وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بجيشه من المدينة ، واتضحت منذ البداية الصعوبات التي تنتظرهم ، فهناك نقص شديد في عدد الرواحل ، حتى إن الستة والسبعة من الرجال كانوا يتوالون على ركوب البعير.
ومما زاد الأمر سوءا وعورة الأرض وكثرة أحجارها الحادة ، التي أثرت على أقدامهم حتى تمزقت خفافهم ، وسقطت أظفارهم ، فقاموا بلف الخرق والجلود على الأرجل ؛ ومن هنا جاءت تسمية هذه الغزوة بهذا الاسم ، ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : "وكنا نلف على أرجلنا الخرق ، فسميت غزوة ذات الرقاع ".
واستمر الجيش في المسير حتى بلغ موضعا لبني غطفان يقال له " نخل " ، فلما سمع بهم الأعراب تملكهم الخوف ، وأدركوا جدية الأمر، فهربوا إلى رؤوس الجبال ، تاركين وراءهم النساء والذرية .
وخشي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعود أولئك الفارون مرة أخرى ليهجموا على المسلمين على حين غفلة منهم ، خصوصا أن وقت الصلاة قد حضر ، والمشركون ينتظرون لحظة كهذه لينقضوا على المسلمين .
وفي هذه الأثناء جاء الفرج من عند الله ، ونزلت آية كريمة فيها تشريع صلاة الخوف وبيان هيئتها ، وهي قوله تعالى : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا } ( النساء : 102 ) ، فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمن معه .
وانتهت الصلاة ، ولم يحدث شيء مما كان يخشاه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فاختار الرجوع إلى المدينة بعد أن حصل له مقصوده من الغزو .
وفي طريق عودته ، ومع حلول الليل ، فرض النبي - صلى الله عليه وسلم - حراسة على المعسكر ، واختار لهذه المهمة رجلا من المهاجرين ورجلا من الأنصار ، وهما عباد بن بشر و عمار بن ياسر رضي الله عنهما ، وقسم الليل بينهما نصفين ، فاختار عباد بن بشر أول الليل وقام يصلي ، واستغل أحد المشركين هذه الفرصة فأطلق سهما أصاب عبادا رضي الله عنه ، فنزع السهم من جسده ومضى في صلاته ، ثم رماه المشرك بسهم ثان وثالث وهو مع ذلك مستمر في صلاته ، ولم ينصرف حتى أتمها ، فأيقظ عمارا ليسعفه بالنجدة ، فلما رأى المشرك ذلك ولى هاربا ، فقال عمار وهو يرى الدماء تسيل من جسده : " سبحان الله ، ألا نبهتني أول ما رمى ؟ ، فقال عباد رضي الله عنه : كنت في سورة أقرأها ، فلم أحب أن أقطعها " .
واستيقظ الجيش في الصباح الباكر ، وواصلوا السير إلى الظهيرة ، وحان وقت القيلولة ، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتفرق الناس يستظلون بالشجر ، فجاء أحد الأعراب ليجد النبي - صلى الله عليه وسلم - نائما قد علق سيفه ، والصحابة متفرقون في الوادي ، فأخذ الأعرابي سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووقف على رأسه وقال له : من يمنعك مني ؟ .
وفي ظنه أنه قد تمكن من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يعلم أن الله قد عصمه من الناس وتكفل بحفظه ورعايته ، فأجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - بكل ثقة ويقين : ( الله ) ، فلم يتمالك الأعرابي نفسه ، وأخذته الرجفة حتى سقط السيف من يده ، فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال له : ( من يمنعك مني ؟ ) ، فاعتذر الرجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ورجاه أن يتركه ، فقال له - صلى الله عليه وسلم - : ( أتشهد أن لا إله إلا الله ؟ ) ، قال : " لا ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك ، ولا أكون مع قوم يقاتلونك "، فأطلق سراحه ، وترك هذا العفو أثرا كبيرا في نفس الأعرابي ، حتى إنه عاد لقومه وهو يقول : " قد جئتكم من عند خير الناس " .
وهكذا انتهت أحداث هذه الغزوة ، وقذف الله الرعب في قلوب أولئك الأعراب ، فلم تجرؤ القبائل من غطفان ولا غيرها أن ترفع رأسها بعد ذلك ، حتى شاء الله لها أن تسلم لاحقا لتشارك في فتح مكة وغزوة حنين .