مع معجزات الحبيب صلى الله عليه وسلم

1 2036

من أعظم دلائل النبوة ما يؤتيه الله أنبياءه من خوارق العادات التي يعجز عن فعلها سائر البشر ، وفي ذلك تكريم لهم من الله ، ودليل على صدق دعواهم أنهم رسل الله ، قال الله تعالى : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات }(الحديد: الآية25) .. ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر الرسل معجزة ، وأبهرهم آية ، فله من المعجزات ما لا يحد ولا يعد ، وقد ألفت في معجزاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ المؤلفات الكثيرة ، وتناولها العلماء بالشرح والبيان .. قال ابن القيم ـ بعد أن ذكر معجزات موسى وعيسى ـ عليهما السلام ـ : " وإذا كان هذا شأن معجزات هذين الرسولين مع بعد العهد وتشتت شمل أمتيهما في الأرض وانقطاع معجزاتهما ، فما الظن بنبوة من معجزاته وآياته تزيد على الألف والعهد بها قريب ، وناقلوها أصدق الخلق وأبرهم ، ونقلها ثابت بالتواتر قرنا بعد قرن " .

لقد أيد الله نبيه محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمعجزات الكثيرة الدالة على نبوته ، ورأى المشركون في مكة الكثير منها ، ولم يذعنوا للحق ، بل طلبوا ـ على سبيل الاستكبار والتعجيز ـ المزيد من الآيات كما قال الله تعالى : { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا }( الإسراء 90 : 93) .

وحتى يقيم الله الحجة على قريش فإنه آتى نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ معجزة من جنس ما طلبوه على سبيل التعجيز ، ألا وهي انشقاق القمر ، وهو حدث لا يقع إلا بتقدير الله .

عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : ( انشق القمر على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه ، فقال : رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : اشهدوا ) رواه البخاري .

قال ابن حجر : " وقال الخطابي : انشقاق القمر آية عظيمة لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء ، وذلك أنه ظهر في ملكوت السماء خارجا من جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة فلذلك صار البرهان به أظهر " .
وقال ابن تيمية : " وكان يأتيهم بالآيات الدالة على نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومعجزاته تزيد على ألف معجزة ، مثل انشقاق القمر وغيره من الآيات " .
وقال ابن حجر : " وذكر النووي في مقدمة شرح مسلم أن معجزات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تزيد على ألف ومائتين " .

ومن المعجزات والدلائل التي آتاها الله نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ استجابة الجماد لأمره .

عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( جاء أعرابي إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال بم أعرف أنك نبي ؟ ، قال : إن دعوت هذا العذق (الذي فيه الرطب) من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله ؟ ، فدعاه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم قال ارجع فعاد ، فأسلم الأعرابي ) رواه الترمذي .
وعن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كنت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول : السلام عليك يا رسول الله ) رواه الترمذي .

وإذا كان تسبيح الجبال الرواسي والطيور من معجزات نبي الله داود ـ عليه السلام ـ كما قال تعالى : { وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين }(الأنبياء: من الآية79) ، فإن الله تعالى أيد نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمثل هذه المعجزة ، فسبح لله بين يديه الجماد .

روى الطبراني عن أبي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ قال : ( إني لشاهد عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حلقة وفي يده حصى فسبحن في يده ، وفينا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، فسمع تسبيحهن من في الحلقة ، ثم دفعهن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أبي بكر فسبحن مع أبي بكر ، سمع تسبيحهن من في الحلقة ، ثم دفعهن إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسبحن في يده ، ثم دفعهن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى عمر فسبحن في يده ، وسمع تسبيحهن من في الحلقة ، ثم دفعهن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى عثمان بن عفان ـ فسبحن في يده ، ثم دفعهن إلينا فلم يسبحن مع أحد منا ) .

وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كنا نعد الآيات بركة ، وأنتم تعدونها تخويفا ، كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فقل الماء ، فقال : اطلبوا فضلة من ماء ، فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل ، فأدخل يده في الإناء ، ثم قال : حي على الطهور المبارك ، والبركة من الله ، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل ) رواه البخاري .

ويقارن ابن كثير بين هذه المعجزة ومعجزة أخيه داود ـ عليه السلام ـ فيقول : " وأما تسبيح الطير مع داود ـ عليه السلام ـ فتسبيح الجبال الصم أعجب من ذلك .. ولا شك أن صدور التسبيح من الحصا الصغار الصم التي لا تجاويف فيها أعجب من صدور ذلك من الجبال لما فيها من التجاويف والكهوف ، فإنها وما شاكلها تردد صدى الأصوات العالية غالبا ، ولكن من غير تسبيح ، فإن ذلك ( أي تردادها بالتسبيح ) من معجزات داود ـ عليه السلام ـ ، ومع هذا كان تسبيح الحصا في كف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي بكر وعمر وعثمان أعجب ." .

                  لئن سبحت صم الجبال مجيبة         لداود أو لان الحديد المصفح
                  فإن الصخور الصم لانت بكفه        وإن الحصى في كفه ليسبح
                 وإن كان موسى أنبع الماء بالعصا     فمن كفه قد أصبح الماء يطفح

ومن عظيم دلائل النبوة وخوارق العادات التي آتاها الله ـ عز وجل ـ نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورآها أصحابه حنين الجذع الذي كان يخطب عليه ، فقد حن الجذع شوقا إليه ، وألما من فراقه ، وقد ورد ذلك ـ كما قال الحافظ ابن كثير ـ من حديث جماعة من الصحابة بطرق متعددة تفيد القطع عند أئمة الشأن وفرسان هذا الميدان .

عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ : ( أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة ، فقالت امرأة من الأنصارـ أو رجل ـ : يا رسول الله : ألا نجعل لك منبرا ؟ ، قال: إن شئتم ، فجعلوا له منبرا ، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر ، فصاحت النخلة صياح الصبي ، ثم نزل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فضمه إليه يئن أنين الصبي الذي يسكن ، قال : كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها ) رواه البخاري .
وفى رواية من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ولو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة ) رواه أحمد .

قال العلامة تاج الدين السبكي : " حنين الجذع متواتر ، لأنه ورد عن جماعة من الصحابة ، إلى نحو العشرين ، من طرق صحيحة كثيرة تفيد القطع بوقوعه " .
وكان الحسن البصري إذا حدث بحديث حنين الجذع يقول : " يا معشر المسلمين : الخشبة تحن إلى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ شوقا إلى لقائه ، فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه ".
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح : " .. عن الشافعي قال : ما أعطى الله نبيا ما أعطى محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقلت : أعطى عيسى إحياء الموتى ، قال : أعطى محمدا حنين الجذع حتى سمع صوته ، فهذا أكبر من ذلك " .

لقد كان لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الدلائل والمعجزات التي وقعت وتكررت في أماكن مختلفة ما لا يحد ولا يعد ، والتي تمثلت في سلسلة مضيئة من الآيات والأمور الخارقة للعادة ، وشاهدها الصحابة الكرام واقعا حيا أمام أعينهم فكان لها الأثر البالغ في ثباتهم وزيادة إيمانهم ، إضافة إلى ما تتركه هذه المعجزات من أثر في نفوس المسلمين على مر العصور من معرفة قدر ومنزلة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة