- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
من المفاهيم الخاطئة عند البعض أن علاقة المسلم بالكافر هي علاقة عنف وشدة وغلظة بإطلاق ، وهو خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الكفار ، فقد وضع ـ صلى الله عليه وسلم ـ آدابا وضوابط تقوم عليها العلاقة مع الكفار، والتعامل معهم ، وهي آداب وضوابط مبنية على العدل وعدم الظلم ، كما قال الله تعالى : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة : 8 ) .
وعن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن آبائهم ، عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( ألا من ظلم معاهدا ، أو انتقصه حقه ، أو كلفه فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه ، فأنا حجيجه يوم القيامة ) رواه أبو داود .
وعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ : عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما ) رواه البخاري .
ومن المعلوم أن المؤمن لا يكون ولاؤه إلا لله تعالى ولرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وللمؤمنين ، كما قال الله تعالى : { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون }(المائدة:55) .
والولاء للمؤمنين يكون بمحبتهم ونصرتهم لإيمانهم ، والنصح والدعاء لهم ، وغير ذلك من حقوق ، والبراء من الكفار يكون ببغضهم ، وعدم الركون إليهم ، أو التشبه بهم ، وتحقيق مخالفتهم ، ونحو ذلك من مقتضيات العداوة في الله ، مع معاملتهم بالعدل ، والوفاء بالعهد ، والأمانة وعدم الغش ، قال الله تعالى : { ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى }(المائدة: من الآية8) .
ومن هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في معاملته للكافر :
دعوته إلى الله :
استخدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أساليبا متعددة مع الكافرين في دعوتهم للدخول في الإسلام ، وشملت دعوته ، الدعوة باللسان حيث أقام الأدلة القاطعة على إرساله لهم ، وكان يرغبهم في الإسلام ويبين لهم محاسنه ، ويظهر لهم حلمه وصفحه ، ويعرفهم موافقة القرآن لما في كتبهم ـ قبل تحريفها ـ ، وقبل الهدية منهم ، وأوصى بهم خيرا .
فدعوة الكافر إلى الله ـ بحكمة ورفق ـ وتبليغه حقيقة الإسلام من أعظم الإحسان إليه ، وهي قربة إلى الله ، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ لما بعثه إلى خيبر وأمره أن يدعو إلى الإسلام قال : ( فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من حمر النعم ) رواه البخاري .وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) رواه مسلم .
حسن الجوار ، وعدم الإيذاء ، والإهداء :
حسن الجوار ، وعدم الإيذاء ، كذلك الإهداء للكافر ، وقبول الهدية منه ، كل ذلك من هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في معاملته معه .
عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال : ذبحت شاة لابن عمرو في أهله ، فقال : أهديتم لجارنا اليهودي ؟، قالوا : لا ، قال : ابعثوا إليه منها ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( ما زال جبريل يوصيني بالجار ، حتى ظننت أنه سيورثه ) رواه أحمد .وقد قبل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هدية المقوقس ، وهدية كسرى ، وقبل الشاة المهدية له من اليهودية .
البيع والشراء :
عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اشترى طعاما من يهودي إلى أجل ، ورهنه درعا من حديد ) رواه البخاري ، ( توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعا من شعير ) رواه البخاري .
قال الحافظ ابن حجر : " تجوز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم على المتعامل فيه ، وعدم الاعتبار بفساد معتقدهم ومعاملاتهم فيما بينهم " .
وقال الشيخ ابن عثيمين : " وأما معاملتهم في البيع والشراء ، وأن يدخلوا تحت عهدنا فهذا جائز ، فقد كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبيع ويشتري من اليهود ، كان اشترى طعاما لأهله ، ومات ودرعه مرهونة عندهم " .
عيادة الكافر :
عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان غلام يهودي يخدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمرض فأتاه يعوده ، فقعد عند رأسه فقال له : أسلم ، فنظر إلى أبيه وهو عنده ، فقال : أطع أبا القاسم .. فأسلم ، فخرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه من النار ) رواه البخاري .
الانتفاع بما عندهم من علم :
أذن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أن يتلقى المسلم من غير المسلم ما ينفعه في علوم الطب والزراعة وغيرها من علوم ، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( واستأجر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ و أبو بكر رجلا من بني الديل ، هاديا خريتا (الماهر بالطرق في السفر) ، وهو على دين كفار قريش ، فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال ، فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث ) رواه البخاري .
قال الشوكاني : " الحديث فيه دليل على جواز استئجار المسلم للكافر على هداية الطريق " .
وقد زارع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يهود خيبر على أن يعملوا ويزرعوها ، ولهم شطر ما يخرج منها .
قال ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : (أعطى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خيبر بالشطر ، فكان ذلك على عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر ، ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جددا الإجارة بعد ما قبض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) رواه البخاري .
هكذا كان يتعامل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع غير المسلمين ، تعاملا قائما على العدل والرحمة والتسامح معهم ، والإحسان إليهم ، وكذلك فإن سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ خير شاهد على تمتع الأقلية غير المسلمة بالحرية الدينية ، فلم يرتض يوما أن يفرض عليهم عقيدة الإسلام ، امتثالا لأمر الله تعالى : { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين }(يونس:99) .