- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:فضائل
ليس هناك وصف يصدق على شهر من الشهور كمدح شهر رمضان بوصف البركة؛ فإن هذه الصفة تنطبق عليه من كل وجه. وإذا كانت البركة في حقيقتها: الزيادة والنماء، فرمضان -وفق ذلك- بركة في الأوقات، بركة في الأعمال، بركة في الأجور، وأحد أوجه هذه البركة ما تفضل الله سبحانه وتعالى به من نعمة السحور.
يتمثل أمام ناظرينا حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة) متفق عليه، فهذا الحديث إشارة واضحة إلى ما تمتعت به أكلة السحور من البركات والفضائل، سواء ما تعلق بأمور الدنيا، أو توجه إلى شؤون الآخرة.
إن أول بركات هذه العبادة أن المسلم يقوم بها اتباعا للسنة واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان مداوما عليها، وهذا ما تشير إليه الأحاديث فقد جاء عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: "تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قام إلى الصلاة" فقيل له: كم كان بين الأذان والسحور؟ فقال: "قدر خمسين آية" رواه البخاري.
قال ابن أبي جمرة: "كان صلى الله عليه وسلم ينظر ما هو الأرفق بأمته فيفعله؛ لأنه لو لم يتسحر لاتبعوه فيشق على بعضهم، ولو تسحر في جوف الليل لشق أيضا على بعضهم ممن يغلب عليه النوم، فقد يفضي إلى ترك الصبح، أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر".
ومن حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هذه العبادة كان كثيرا ما يذكر أصحابه بها، ويدعوهم إلى فعلها، ويشير عليهم بين الحين والآخر ببركاتها وفضلها حتى ترسخ في أذهانهم، فلا يدعونها، وهذا واضح في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، حيث قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور في رمضان، فقال: (هلم إلى الغداء المبارك) رواه أبو داود والنسائي.
وعن عبد الله بن الحارث أن أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: دخلت على رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو يتسحر، فقال: (إنها بركة أعطاكم الله إياها؛ فلا تدعوه) رواه النسائي.
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (البركة في ثلاثة: في الجماعة، والثريد، والسحور) رواه الطبراني.
وجاء عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه مرفوعا: (السحور بركة؛ فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم ماء) رواه أحمد.
وأما ثاني بركات السحور وفضائله: أنه مخالفة لأهل الكتاب من اليهود والنصارى، الذين حرموا من هذه المنحة الإلهية، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) رواه مسلم، فالحديث يدل على أنهم لم يكونوا يأكلون تعبدا في مثل هذه الأوقات.
يقول الإمام الخطابي: "كان أهل الكتاب إذا ناموا بعد الإفطار لم يحل لهم معاودة الأكل والشرب، وعلى مثل ذلك كان الأمر في أول الإسلام، ثم نسخ الله عز وجل ذلك، ورخص في الطعام والشراب إلى وقت الفجر بقوله: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} (البقرة:187)".
وثالث بركاته: أنه تقوية للعبد على العبادة وزيادة في النشاط، لعموم الاحتياج إلى الطعام، ولو ترك السحور لكان في ذلك مشقة على البعض ممن لا يحتمل طول وقت الإمساك عن الطعام، فقد يغشى عليه، وقد يفضي ذلك إلى الإفطار في رمضان، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجه، وزاد الدار قطني: (ومن شاق شق الله عليه).
ولعل هذا السبب الذي لأجله شرع تأخير السحور؛ ليكون فرصة للنفس كي تأخذ نشاطها كاملا، فقد كان عبد الله بن مسعود يعجل الإفطار ويؤخر السحور، ويقول: "هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع" رواه النسائي، وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "كنت أتسحر في أهلي، ثم يكون سرعة بي، أن أدرك صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"، رواه البخاري، وهذا يدل على تأخير السحور، بحيث أن سهلا رضي الله عنه كان يسرع بعد تسحره إلى الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ مخافة أن يفوته شيء منها.
ورابع بركات السحور: اليقظة في وقت مبارك يتنزل فيه الرب تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا نزولا يليق بجلاله فيقول: (هل من سائل يعطى؟ هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟) حتى يطلع الفجر، كما جاء في "صحيح مسلم"، ومثل هذا الوقت المبارك يملؤه الصالحون بالذكر والتسبيح والاستغفار: {والمستغفرين بالأسحار} (آل عمران:17)، ومثل هذه الأوقات المباركة تكون مظنة للإجابة.
وخامس بركاته: أن يكون في التسحر استحضار لرحمة الله تعالى بعباده، ولو شاء لأمرهم بالوصال، فكان في ذلك مشقة عظيمة عليهم، ومظاهر الرحمة الإلهية تتجلى في كل تشريعاته وأحكامه وأقداره.
وأما سادس بركاته: فهي صلاة الله تعالى وصلاة الملائكة على العبد، ويدل على هذا الفضل حديث أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الله وملائكتة يصلون على المتسحرين) رواه أحمد.
ونذكر في الختام أن أفضل ما يتسحر به المؤمن هو التمر، فقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم المتسحرين بالتمر فقال: (نعم سحور المؤمن التمر) رواه أبو داود، وفضلا عن الأجر الحاصل من امتثال هذه السنة، فإن للتمر قيمة غذائية عالية، تقوي البدن وتعينه على تحمل أعباء الصيام طيلة اليوم كما يقول الأطباء.