فضل الذكر

0 1122
  • اسم الكاتب: إسلام ويب

  • التصنيف:فضائل

أرأيت لو أن نباتا بهي المظهر، حسن الزهر، ولكن تقاعس صاحبه عن سقياه وتعاهده، كيف يكون منظره؟ هل تبقى نضارته طويلا، أو يذبل سريعا؟ أو قد رأيت سمكة تم إخراجها من الماء، أكانت تعيش؟ أو أن حاجتها إلى الهواء كحاجتها إلى الطعام والشراب، إن لم تكن أشد؟
كذلك الحال مع قضية الذكر لله سبحانه وتعالى، فالذكر للقلوب قوت يومي لا تتصور الحياة دونه، ومن هذه الحقيقة جاء التمثيل النبوي الرائع؛ ليبين حال الذاكرين وما يقابله من حال الغافلين اللاهين، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه، مثل الحي والميت) متفق عليه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟".
من هنا نفهم سر اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بقضية الذكر، وبيان فضائله المرة تلو الأخرى، روى أبو الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم, وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟)، قالوا: بلى, فقال عليه الصلاة والسلام: (ذكر الله تعالى) رواه الترمذي والحاكم وصححه، و(الورق) هو الفضة.
وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه، أن رجلا قال: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله) رواه الترمذي وابن ماجه.

واللسان الغافل عن ذكر الله تعالى كاليد الشلاء، أو العين العمياء، أو الأذن الصماء: أعضاء معطلة عن فعل ما خلقت لأجله، فكيف تستنير بصيرة إن لم يكن لها من مدد القلوب وغياثها؟ ولذلك وصف العلماء الذكر للقلب بالقوت: متى حرمت الأجساد منه صارت قبورا، وجعلوه بمثابة السلاح الذي يقاتل أصحابه قطاع الطريق، والماء الذي يطفئون به نار الحريق، ودواء الأسقام الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب، فضلا عن كونه السبب الواصل والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب.

وقد جاء في القرآن الكريم التوكيد والتأكيد على أهمية الذكر ودوره في تحقيق النصر، في أحلك الظروف وأشدها، حين تقارع السيوف، وتطاير الرؤوس، وارتفاع غبار المعارك، ليكون ذكر الله تعالى في تلك اللحظات الحرجة مددا من السماء، يحصل من خلاله ثبات القلب وطمأنينته، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} (الأنفال:45).

ومن مكرمات الذكر أن الله سبحانه وتعالى يظهر فضل عبيده الذاكرين ويبين مكانتهم العظيمة لملائكته الكرام، روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال: (ما أجلسكم؟) قالوا: جلسنا نذكر الله، ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومن به علينا، قال: (آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟) قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: (أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم, ولكنه أتاني جبريل عليه السلام, فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة) رواه مسلم.

وأصحاب مجالس الذكر اختصهم الله سبحانه وتعالى بفضائل أربعة: تنزل الطمأنينة، وغشيان الرحمة، وإحاطة الملائكة بهم، وذكرهم في الملأ الأعلى، وهذه الفضائل مذكورة في حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم.

وكما أن ذكر الله سبحانه وتعالى هو نداء الفطرة، وانقياد للشرع، فإنه كذلك مقتضى العقل؛ فإن المرء يجد في نفسه ضرورة إلى المداومة على الاشتغال بالذكر؛ لترتاح نفسه، وتطمئن من أمراضها وأدوائها المختلفة، قال الله سبحانه وتعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (الرعد: 28)، وقد أنشد بعضهم في ذلك قائلا:

                                                   إذا مرضنا تداوينا بذكركم         ونترك الذكر أحيانا فننتكس

وقد مدح الله سبحانه وتعالى الذاكرين ووصفهم بما يدل على رجاحة عقولهم فقال: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لأيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار} (آل عمران:190-191).

وطوبى لمن أشغله ذكر الله عز وجل عن كل ما سواه، أولئك الذين قال الله فيهم: {والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما} (الأحزاب:35)، وهم من سماهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالمفردين، فقال: (سبق المفردون)، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟! قال: (الذاكرون الله كثيرا، والذاكرات) رواه مسلم.

وإن أقواما ترى فيهم أثر الذكر جليا من زيادة الإيمان ودمع العين وما تحصل للجلود من القشعريرة أثرا من آثار خشية الله تعالى، ترقوا إلى مراتب الإحسان والإتقان، ولا سيما في الخلوات، فاستحقوا بذلك الوعد بالمغفرة وطيب الرزق: {أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم} (الأنفال:4).

ويوم القيامة يصطلي أناس بحر الشمس حتى يبلغ منهم العرق كل مبلغ، يصطفي الله تعالى الذاكرين بظله، ويكلؤهم بحفظه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم: (ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه)، متفق عليه.

وللذكر فضائل خاصة جاء التنصيص عليها في عدد ليس بالقليل من الأحاديث، من ذلك قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، وأنها تعدل عشر رقاب، ويكتب الله لصاحبها له مائة حسنة، ويمحو عنه مائة سيئة، وهي حرز أكيد من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي رواه مسلم. وأن غراس الجنة: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، رواه الترمذي، وأن قول: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة سبب في حط الخطايا, ولو كانت مثل زبد البحر، رواه مسلم. وأن من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا، وبالإسلام دينا، غفر له ذنبه. إلى غير ذلك من الفضائل العظيمة التي اهتم العلماء بجمعها وبيانها وذكروها في مؤلفاتهم، ككتاب "الأذكار" للإمام النووي، و"الوابل الصيب من الكلم الطيب" للإمام ابن القيم.

فيا أيها المسلم! رمضان فرصة عظيمة للإكثار من ميادين الخير، ومنها: ميدان ذكر الله سبحانه وتعالى. وفضلا عن الأجور العظيمة المترتبة على الذكر، فإنها عبادة يسيرة ليس فيها كبير جهد أو مشقة تذكر، فلا تحرم نفسك من هذا الأجر الذي وعده الله للذاكرين من عباده. 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة