- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:أمثال السنة النبوية
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا) متفق عليه.
غريب الحديث
درنه: الدرن هو الوسخ.
الخطايا: واحدها خطيئة وهي الذنوب أو الآثام.
شرح الحديث
يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف على أهمية الصلاة في حياة المسلم، حيث بين أنها الأساس في طهارته من الذنوب والآثام التي قد يقع فيها في حياته اليومية.
وقد جعلها الله جل وعلا ركنا من أركان الدين، بعد النطق بالشهادتين، وكذا جعلها الله تعالى النور الذي يسعى بين أيدي المؤمنين، وذلك لمن حافظ عليها وأقامها بأركانها، أما من ضيعها وانشغل عنها، فقد توعده الله تعالى بالويل، قال سبحانه: {فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون} (الماعون:4-5).
وقد كانت الصلاة قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين، إلا أن الأجيال التي خلفت بعد ذلك أضاعت الصلاة، فتوعدهم الله تعالى بقوله: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا} (مريم:59).
وتلك موازنة بين الحالين، حال من يؤدي الصلاة محافظا عليها كيف تطهره من الذنوب، فيكون في طمأنينة وأمان وراحة كمن يغتسل بنهر أمام بيته خمس مرات في اليوم، وحال من يضيعها فإنه سيلقى خيبة في الآخرة نتيجة لتضييعه الصلاة بتأخيرها عن وقتها أو تركها بالكلية.
وقد فسرالصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (الغي): بـ"أنه واد في جهنم بعيد القعر"، وعلى هذا تكون الصورة واضحة في المقارنة بين الحالين، نهر أمام البيت لمن يحافظ عليها يغتسل فيه فيطهره من الذنوب، وواد في جهنم بعيد القعر لمن يضيعها يتعذب فيه، وشتان بين الحالين.
وقفات مع المثل
بدأ النبي صلى الله عليه وسلم حديثه باستفهام؛ لكي يطيل الشوق ويزيد الانتباه (أرأيتم لو أن نهرا...)، ثم لا يطلب منهم جوابا لهذا السؤال التقريرى، بل لا يلبث أن يتبعه بسؤال آخر: هل يبقى من درنه شيء؟ وتأتي إجابتهم بالنفى: لا يبقى من درنه شيء.
فإذا تأملنا كلمة (نهر) التي توحي بالرقة والصفاء والعذوبة، وقوله صلى الله عليه وسلم (بباب) وهى توحى بالالتصاق بين النهر والباب، حتى لكأن الدار تجرى من تحتها الأنهار، وكلمة (يغتسل) التي توحي بالتجدد والحدوث، وهذا الفعل وإن كان يتكرر خمس مرات -وهي العدد المحصور فى اليوم-، فإنه يطرد مع العمر بإضافة لفظة (كل يوم)، ليوحي باتصال النعيم ودوامه، فلا يبقي هذا الاغتسال من الدرن شيئا.
وعلى هذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أراد إبراز المعنى المعقول في صورة المحسوس، بتشبيه الصلوات الخمس في محوها آثار الذنوب عن المسلم بالماء في إزالته الأوساخ والأقذار عن الجسد.
وكذلك أراد تقرير المقصود وكشف المعاني التي توضح الحقائق وتظهر الغائب بصورة الحاضر، حيث يمكن رؤية الأمور المتخيلة كأنها حقيقة، حيث تجلت فائدة الصلوات الخمس في محو الذنوب وتكفيرها، من خلال تشبيهها بالماء الذي يزيل الأوساخ والأقذار عن الجسد عند الاغتسال فيه.
وكانت نتيجة ذلك تحرك الطاقات الفكرية وشحذ الذهن لتوجيهه للفكر والتأمل من أجل إدراك المقصود من المثل ببيان أهمية الصلاة وفائدتها للمسلم في إعانته على تكفير ذنوبه من الصغائر.
وإذا أمعنا النظر في هذا المثل سنجده يرسخ مفاهيم التوحيد والإيمان، فخالق المسلم وخالق الماء واحد سبحانه وتعالى، ويتجلى فيهما مظاهر قدرته عز وجل، حيث جعل لكل منهما فائدة التنظيف: الماء من الأوساخ العالقة في الجسد، والصلوات الخمس من أدران الذنوب.
وآخر ما يمكن أن نقوله في هذا الحديث، هو التأكيد على أهمية الصلاة في حياة الفرد المسلم؛ إذ هي في أهميتها توازي أهمية الماء، وكل منهما لا يمكن الاستغناء عنه في بابه، وبالله التوفيق.