- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
الوضوح في الدعوة والثبات على المبادئ وإعلانها وإظهارها دون مواربة من أهم أخلاق الدعاة إلى الله، وهو الخلق الذي يحدو بقلوب المدعوين إلى اتباعهم وسلوك سبيلهم ولزوم طريقهم..
ومعنى الوضوح أن يظهر الداعية أصوله ومبادئه التي يدعو إليها دون لبس على المدعوين، بل في ظهور لا يحتاج من السامع إلى كثير عناء ليفهم عنه مراده، ويعلم أصول دعوته وأركانها وأساسياتها التي لا تقوم بدونها، وبالطبع أن يلتزم الداعية بهذه المبادئ والأصول التي يدعو إليها، ويكون أعظم الناس تمسكا بها وتضحية من أجلها، ولا يمكن أن تنتصر الدعوات إلا بهذا.
إن من أبجديات تنزل النصر أنه لا ينزل إلا على صف تميز عن غيره بأنه يعمل لله ولدينه ولنصرة شرعه وسنة نبيه، وبان للناس جميعا أن هؤلاء هم أهل الله وحزبه الذين حادوا عن غيره وانحازوا له دون سواه.. وفي هذه الحال ينضم إليهم المؤمنون وأصحاب فكرتهم، ويكون أعداء الله في الصف الآخر فعندما يحدث هذا التمايز يتنزل النصر وتأتي المعونة.
أما في حال الاختلاط وغياب أهل الحق في وسط أهل الباطل بحيث لا يعرف من الذي يعمل لله ونصرته ممن يحارب الله وشريعته، فعند ذلك يبعد كثيرا أن تأتي النصرة الظاهرة وإن كانت هناك معونة باطنة لا تتوقف من الله لأوليائه.
لقد أخبر الله تعالى وتعلمنا من القرآن ومن تاريخ الرسالة المحمدية ومن قبلها جميع الرسالات والدعوات أنه قد حدث أولا تمايز بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ثم كان انتقام الله من الصف الكافر الفاجر وكان إنجاء الله لأهله وأتباع رسله وأنصار دعوته.. كما حدث مع جميع الرسل ومنهم نوح وهود وصالح وموسى ومحمد عليهم جميع صلوات الله وتسليماته.
وفي كل هذه الحالات كانت الأمور واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وأن هناك فريقين كل منهما ينصر فكرة معينة ويعمل لتمكين منهج يخالف تماما ويصادم المنهج المقابل.. ولم يكن أحد ينتظر إلا لمن يكون الظفر والنصر والتمكين في الأرض، وفي النهاية يتحقق موعود الله لأوليائه {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز}.
إن الدعوة إلى الله لا تتوقف عند بيان محاسن الإسلام وأسباب الإيمان، وإنما من أصولها أيضا إزهاق الكفر ومهاجمة الطغيان، وتعرية الباطل وإظهاره في صورته الحقيقية حتى لا يغتر الأغرار والدهماء ببهرجته الظاهرة. إذ لا يتم الإيمان حتى نعلن البراءة من الطاغوت أولا: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها}.
إن محاولة بعض الدعاة الوقوف في المنطقة الرمادية بين الحق والباطل، ومحاولتهم إمساك العصا من منتصفها؛ يجعل كثيرا من المدعوين لا يقفون على الإسلام الصحيح مما يلبس عليهم الباطل ويغبش في عيونهم الحق، وهذا ضرر بالغ للدعوة وللدعاة في نفس الوقت، إذ عند المواقف الفارقة والتي تستدعي اتخاذ قرار واضح يعيش المدعوون في حيرة ولا يعلمون إلى أي وجهة يصيرون، وأحيانا كثيرة يكون اختيارهم مصادما للحق ومخالفا للمنهج ومضرا على الدعوة ذاتها.
إن هناك أوقات لا يصلح لمنتسب للدين فيها أن يقف محايدا يلعب على جميع الأوتار، ويمشي على كل الحبال، ويلبس كل الألوان، ويرضي كل الأطياف وجميع الأطراف.. ولكن لابد أن يأتي الوقت الذي لا مناص فيه للمسلم ـ فضلا عن الداعية فضلا عن (العالم الصغير) أو الكبير ـ أن يختار بين فريقين وأن يقف في أحد صفين.. ولا يصلح في هذا الوقت الحياد أبدا.. بل وقتها يكون الحياد طعنا في ظهر الحق وتأييدا مبطنا للباطل.
وللأسف الشديد فإن التاريخ مليء بهؤلاء الذين يقفون في المنطقة الرمادية (لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) ولو طعن الحق في مقتل لا يقفون معه لأنهم لا يريدون أن يخسروا متعاطفي الطرف الآخر.. وهؤلاء لابد وأن ينتهي بهم المطاف إلى النفاق، أو على الأقل هم إلى النفاق أقرب.
بالوضوح تنصر الدعوة
وليس بمثل هؤلاء ولا بمثل هذا التلون تنتصر الدعوات، وإنما تنتصر بوضوح كوضوح بلال بن رباح - رضي الله عنه حين سئل: لماذا كنت تقول أحد أحد؟ قال: والله لو علمت كلمة أغيظ لهم منها لقلتها.
وبوضوح أحمد بن حنبل يوم المحنة، وبوضوح سيد قطب حين قيل له: لو قدمت استرحامـا؟ قال: إن أصبع السبابة التي شهدت لله بالوحدانية لترفض أن تكتب حرفـا واحدا تقر فيه حكم الطاغية!!.. لماذا أسترحم؟ إن كنت محكومـا بحق فأنا أرتضي حكم الحق، وإن كنت محكومـا بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل.
بمثل هذه النماذج تتأثر الجماهير، وتتبع الأجيال، ويقلد الشباب. بمثل هذه النماذج تنتصر الدعوات، بالدماء التي تراق، وبالأرواح التي تزهق، وبالأشلاء التي تتناثر، لا باللف والدوران والمخادعة الجاهلية والنفاق والتقية، وعدم معرفة الباطن من الظاهر، والتلون بتلون الحرباء، فهذا لا يقيم دعوة ولا ينصر دينـا. {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.