الهواتف الذكية كارثة على الأطفال والشباب

1 1397
  • اسم الكاتب:د. علي كوجك \\\"أخصائي طب أطفال وخدج\\\"

  • التصنيف:الإعلام

اخترعت اليابان والبلاد الغربية الأجهزة الذكية، وألعاب الفيديو الإلكترونية، ثم أخذت تطور هذه الأجهزة بتسارع رهيب.

وضع علماء النفس والاجتماع والأطباء القواعد الصارمة على استعمالها من قبل الأطفال. لكن، وللأسف، استوردناها ولم نضع أية ضوابط على استعمالها من قبل أطفالنا، فبدأنا كارثة القرن الواحد والعشرين بحق شبابنا وأطفالنا.

أدى هذا الخطأ الى تغييرات كثيرة في شخصيتهم وجعلهم انطوائيين وفي عزلة اجتماعية.

شغلنا أوقاتهم بها بدون فائدة وضيعنا أوقاتهم بتوافه ضارة بهم. جعلت منهم أطفالا قساة غلاظ القلوب. يستمتعون بألعاب القتل وإراقة الدماء.

قيدت هذه الأجهزة تطور المواهب.. فقد خسر هؤلاء الاطفال مهارات التواصل والابداع وبناء الصداقات. وأصبحوا عاجزين عن مناقشة موضوع مهم. ولا يتمكنون من إلقاء محاضرة أو تقديم موضوع مفيد لزملاء الدراسة، أو بدء محادثة شيقة أو مفيدة مع أصدقائهم وأقاربهم.

امتنعوا عن مرافقة الأهل في الزيارات العائلية، وكذلك عن مجالسة ضيوفهم وأقاربهم عندما يزورونهم في البيت، ذلك بسبب انفصالهم عن الواقع الاجتماعي، والشرود والضياع في الواقع الافتراضي.

إذا.. نجح هؤلاء الشباب في إنهاء دراستهم والتخرج من الكليات!!.. تجدهم قد فقدوا طموحهم في البحث عن عمل، أو حتى في التفكير بالزواج.

توقف مستخدموها عن القراءة والاستمتاع بها والاستفادة منها.

بينت الدراسات العالمية الحديثة أن عدد الصفحات التي يقرؤها أبناؤنا بل شعوبنا سنويا، أقل بمئات المرات من أقرانهم في باقي دول العالم. وأن عدد براءات الاختراع السنوية في إسرائيل وحدها خاصة، أو في أي دولة من دول العالم الأخرى، أكثر مئات الأضعاف من براءات الاختراع في الدول العربية مجتمعة. وأصبح عدد العلماء في بلادنا العربية مجتمعة، أقل كثيرا من أي دولة من هذه الدول.

قضى أطفالنا أوقاتهم في غرفهم المغلقة المعتمة، يلعبون الألعاب المدمرة للصحة العقلية، والنفسية، والطموح، والحياة الطبيعية.

لا يخلو أي مؤتمر طبي عالمي مؤخرا من عدة محاضرات مهمة تتحدث عن الأضرار البالغة التي سببتها هذه الأجهزة على أدمغة الشباب والأطفال الذين يقضون أوقاتا طويلة عليها.

لقد صنفت هذه الأجهزة علميا مؤخرا، كواحد من أسباب الإدمان، المدمر للعقل والطموح والحياة الاجتماعية الطبيعية، مثلها مثل المخدرات والمسكرات، وغيرها من مواد الإدمان.

لقد سبب استعمالها ساعات متواصلة، أعراضا ونوبات تشبه إلى حد كبير نوبات الصرع، وكذلك تعددت حالات السقوط على الأرض بدون وعي، مما أدى إلى تأذي هؤلاء الشباب والأطفال جسديا، وعصبيا، وذهنيا، ونفسيا، عندما يستغرقون وقتا طويلا في استعمالها.

وقد وصل عدة أطفال لعيادتي بحالات إسعافية مختلفة، هذه السنة، لهذا السبب، ناهيك عن الأعداد الكبيرة في أقسام الطوارئ في المستشفيات، وقد حولت هذه الحالات لاختصاصية الصحة النفسية لإجراء جلسات العلاج السلوكي بالتقنيات الحديثة، وقد تحسنوا بفضل الله من هذا الإدمان الصعب بعد عدد متفاوت من جلسات العلاج السلوكي.

أصبح الأهل في هذا الزمن لا يملكون وقتا للحديث مع أبنائهم، ولم يعد الأبناء مولعين بالحديث مع أهاليهم.

قطعت صلة الرحم لضيق الوقت، ولم يتبق لدينا زمن للمطالعة والدراسة والعبادات.

ضعفت سيطرة المبادئ والأخلاق، وأضحت التطلعات واهية، وأحلام المستقبل تافهة.

اشتد الولع باللعب بها، وبشراء كل جهاز جديد.

عندما يشتري الأب له، أو لابنه الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره جهازا ذكيا، او واحدا من ألعاب الفيديو فهذه مصيبة كأداء. وعندما نعطي فتاة في المرحلة الابتدائية هاتفا محمولا عليه جميع برامج التواصل الاجتماعي نكون قد أودينا بها للتهلكة. وأجرمنا في حقها أدبيا وعلميا وخلقيا.

إذا لم تسمح لطفلك باقتناء مثل هذا الجهاز فلن تكون قد حرمته إحدى المتع أو ظلمته، بل أنت قد منحته السلوك السوي، وفرصة عيش الحياة الاجتماعية السليمة المناسبة له ليطور نفسه.

عندما تنشغل الأم عن أطفالها بجهازها الذكي، تكون قد تصرفت تصرفا غير مسؤول تجاههم لأنها أهملتهم، ولم تستمتع باللعب معهم والتحدث إليهم، لتنمية مهاراتهم، ولم تمنحهم الحد الأدنى من الحنان والحب والاهتمام، كما يفترض بها أن تفعل. وفوتت فرصة ثمينة لتوجيههم وتعليمهم كيف يصبحوا شبابا ناجحين مميزين.

أضحى الآباء والأمهات في هذا العصر غير مهتمين بأطفالهم، يحرمونهم متعة عيش وممارسة طفولتهم والاستمتاع السليم بها. ويخسرون أوقاتا ثمينة، كان من الممكن أن يستفيدوا منها ليوجهوا ويعلموا أبناءهم قيما وأخلاقا وعلما ودروسا في الحياة، تجعل منهم شبابا وفتيات ناجحين في المستقبل. ترى الأبوين مشغولين بجهازيهما لا يردون على أسئلة أطفالهم، ولا يولونهم الاهتمام اللازم مما يحبطهم، ويفقدهم الاحترام لأبويهم ومحبتهم. وأصبحت العائلة في حالة مأساوية من التشتت والضياع، بالرغم من النعم العظيمة التي تملكها.

لم نستثمر الأجهزة الاستثمار الصحيح، بل جعلناها نقمة وجحيما علينا وعلى أولادنا.

أصبح أقصى طموح الشباب امتلاك جهاز حديث، وعدد من الأصدقاء الافتراضيين، لم يقابلوا معظمهم شخصيا، ولا يعرفون عنهم شيئا. وتركوا من هم أحق بالصحبة كالوالدين والأخوة والأقارب والجيران وأصدقاء الدراسة ومعلميهم.

يجب أن نصحو من غيبوبتنا التي طالت سنين، وتفاقمت عواقبها لتصل الى أبنائنا وبناتنا.

ليس الحل في التخلص التام منها، ولكن بتنظيم استعمالها..

حسب تعليمات الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال: يسمح للطفل عندما يكمل السنة الثانية من عمره بمشاهدة التلفزيون ساعة واحدة يوميا، وعندما يكملون الخامسة مدة ساعتين، مشاهدة غير متصلة، بل مقسمة إلى عدة فترات.

ولا تسمح هذه التعليمات لهم باستعمال الأجهزة الذكية إلا عندما يكملون الثانية عشرة.. والمدة ساعة واحدة يوميا، شرط ألا تعيقهم عن أداء واجباتهم الدراسية، ونصف ساعة يوميا فقط على ألعاب الفيديو المناسبة. ويفضل ان يكون ذلك مقصورا على عطلة نهاية الأسبوع.

ارجعوا لحياتكم وأبنائكم وأسركم ولا تحرموا أنفسكم هذه الفرصة الثمينة.

حددوا أوقاتا معينة لها، واستثمروا أوقات فراغكم وحياتكم فيما ينفعكم وينفعهم.

أرشدوا أبناءكم، وزوروا أصدقاءكم وأحبابكم وارحامكم.

العبوا مع أطفالكم، وتحدثوا معهم وناقشوهم، ووسعوا مداركهم وربوهم التربية الصالحة وامنحوهم النشأة الصحيحة. كي لا تندموا وتذهب حياتكم وحياتهم سدى.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة