بيان السنة للقرآن - توضيح المشكل

0 2500

جاءت السنة النبوية موضحة لمشكل القرآن، ومفسرة لآيات عديدة منه، واللفظ (المشكل) هو: "اللفظ الذي خفيت دلالته على معناه، لسبب في نفس اللفظ"، فلا يمكن أن يدرك معناه إلا بقرينة تبين المراد منه، وإنما يعرف المشكل بسؤال الصحابة عنه؛ لأن السؤال لا يقع إلا بعد استشكال أو عدم وضوح في الغالب.

وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز ما يؤكد ذلك، حيث قال: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل:44)، وهذا دليل على أن بيان ما جاء في القرآن وظيفة من وظائف السنة النبوية، والأمثلة المنقولة في السنة لهذا النوع (توضيح مشكل القرآن بالسنة) كثيرة، نذكر منها:

المثال الأول: توضيح المراد من الخيط الأبيض والخيط الأسود في وقت الإمساك في الصوم، قال تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} (البقرة:187)، حيث إن الخيط الأبيض والخيط الأسود من المشكل الذى لا يفهم المراد منه إلا بقرينة، فجاءت السـنة بتوضيح هذا المشكل بأنه (بياض النهار وسواد الليل)، قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: لما نزلت تلك الآية قلت: يا رسول الله إني أجعل تحت وسادتي عقالين عقالا أبيض وعقالا أسود، أعرف الليل من النهار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن وسادك لعريض، إنما هو سواد الليل وبياض النهار) متفق عليه وهذا لفظ مسلم، وفي لفظ البخاري: "عمدت إلى عقال أسود، وعقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل، فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: (إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار).

المثال الثاني: بيان كيفية حياة الشهداء في البرزخ، المذكورة في قوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} (آل عمران:169)، يقول مسروق: سألنا عبد الله عن هذه الآية فقال: "أما إنا قد سألنا عن ذلك، فأخبرنا (أن أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل..)" رواه مسلم.

المثال الثالث: إزالة اللبس الحاصل في كون نبي الله هارون عليه السلام أخا لمريم بنت عمران عليها السلام، فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: "لما قدمت نجران سألوني: إنكم تقرؤون {يا أخت هارون} (مريم:28) وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، فلمـا قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألته عن ذلك فـقال: (إنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم) رواه مسلم.

المثال الرابع: تفسير "الظلم" الوارد في قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} (الأنعام:82)، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس هو كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه: {يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}" متفق عليه، فقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم من هذه الآية عموم الظلم، فعز عليهم الأمر وحزنوا، فأزال لهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللبس، وأخبرهم أن لفظ (الظلم) هنا ليس عاما، ولكن يراد به "الشرك" تحديدا.

المثال الخامس: توضيح المراد من قوله تعالى: {فسوف يحاسب حسابا يسيرا} (الانشقاق:8)، فقد ثبت في "الصحيحين" من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نوقش الحساب عذب)، قلت: أليس يقول الله: {فسوف يحاسب حسابا يسيرا}، قال: (ذلك العرض)، أي: ليس ذلك بالحساب، ولكن المقصود (العرض) على الله جل وعلا.

ويكفينا ما أوردناه من تلك الأمثلة؛ إذ المقصود من ذلك تبيين أهمية السنة ومكانتها في توضيح مشكل القرآن، وقد تحقق بما ذكرناه، وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة