- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
حديثنا اليوم عن الذكر ـ ذكر الله تبارك اسمه وتعالى جده ولا إله غيره، فقد أمرنا الله بالإكثار من ذلك بقوله عز وجل: {ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا}، فهو أفضل الأعمال وأعلاها عند الله أجرا كما قال رسولنا عليه الصلاة والسلام: [ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم؛ فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟.. قالوا: بلى. قال: ذكر الله].
أصناف الناس مع الذكر:
والناس مع ذكر الله أصناف كما يقول الغزالي: فصنف لا يذكرونه أبدا ولا يعرفونه، فلا تسمع لله ذكرا في كلامهم ولا مناقشاتهم، وإذا سكتوا فليس لله وجود ولا أثر في أعمالهم وأفعالهم، فهم لا يرعونه في أمرهم ونهيهم، ولا في رغبتهم ولا رهبتهم.
وصنف يذكرونه ولكن عجزوا عن فهم معنى الذكر.. فظنوه لغوا على الألسنة لا فهما بالعقل ورضا بالقلب.. وربما ظنه بعضهم مجلس رقص وقفز ووثب وتأوه وجذب.. ثم قلوبهم بعد ذلك بعيدة كل البعد عن استشعار جلال الله وهيبته.
شرف الذكر وأقسامه:
إن ذكر الله تعالى أشرف ما يخطر بالبال، وأشرف ما يستقر في العقل، وأشرف ما يتعلق به القلب، وأشرف ما ينطق به اللسان.
ولكننا نريد أن نفهم معنى الذكر بما يتفق مع ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله. فمن يتصفح كتاب الله والسنة المطهرة يعلم أن الذكر نوعان ـ كما قال المشهداني:
أ- عام: فكل ما يتقرب به العبد لربه فهو ذكر لله عز وجل، فجوارح العبد لم تتحرك للطاعة إلا وذكر الله تعالى قد ساقها.
ب- خاص: هو ما يجري على اللسان والقلب من تسبيح وتنزيه وحمد وثناء على الله عز وجل.
فمفهوم الذكر ليس قاصرا على ذكر اللسان وحركته، وإنما يجب أن يأخذ الذكر صورا كثيرة تتناسب مع أحوال الناس أو مع الأحوال التي يكون الناس فيها:
فعندما يكون هناك أناس لا يعترفون بالخالق، ولا يؤمنون بالإله، ويكرهون الإيمان به فأعظم الذكر إقامة الحجة عليهم وأن نقول لهم كما قال سبحانه: {الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل له مقاليد السموات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون}... {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر}... {أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ...} إلى قوله تعالى {فسبح باسم ربك العظيم}.
وأما الذين يتخذون معه شركاء فيكون ذكر الله عندهم بتوحيده، وإفراده بالعبودية والتوجه إليه وحده بالدعاء والرجاء {قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من المشركين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين}
عند المصائب:
إن بعض الناس تنزل به المصائب، وتحيط به النوائب، فيشعر بالعجز عن تحملها أو دفعها.. فإذا كان مؤمنا ذكر الله فعلم أنه بكل شيء بصير، وعلى كل شيء قدير، وأن هذا امتحان منه سبحانه له، سريعا ما يمر وينقضي فيكون هذا الذكر مطمئنا لقلبه باعثا على الرضا .. مانعا من التسخط:
فعقله يحسن الظن بربه.. {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}، {فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا}
ولسانه لا ينطق إلا بالحمد: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون}
وأما الجوارح فلا لطم ولا شق {فليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعى بدعوى الجاهلية}
فإذا ذكر الله اطمأن إلى أنه يأوي إلى ركن شديد .. وهو معنى قوله تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله}
ذكر الله عند النعم:
ومن ذكر الله أيضا ذكره عند النعمة: فيعلم أنها من الله فيشكره عليها بقلبه ولسانه وجوارحه.. فيعترف بها باطنا، ويتحدث بها ظاهرا، ويستعملها في طاعة مسديها. فإن بعض الناس يكفرون نعم الله كما قال عنهم سبحانه: {وبنعمة الله هم يكفرون} قال ابن كثير: يسترونها ويضيفونها إلى غير الله.
وقد ضرب الله لنا في القرآن أمثلة سأذكر لك منها مثلين:
قارون: حينما أنعم الله عليه وآتاه من الكنوز ما لم يؤت أحدا من الناس، فكان أن قال: {إنما أوتيته على علم عندي}!! فكانت العاقبة: {فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين}.
والمثل الثاني هو سيدنا سليمان: أنعم الله عليه بتعليمه منطق الطير والحيوان، فلما سمع النملة وكلامها قال: {قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين}.
وعندما جاءه عرش بلقيس قال: {هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم}. وهكذا ينبغي أن يكون حال المؤمن.. الذكر لله عند النعم...
وشكر هذه النعم بألا تلهيك عن ربك وعن آخرتك: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون}
ذكر الله عند القوة والقدرة:
ومن ذكر الله تعالى أن تذكره عند قوتك وقدرتك: فتعلم حقيقة أمرك: فأولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل بين جنبيك البول والعذرة.
فتعلم قدر نفسك: وأنه لا حول ولا قوة لك إلا بالله. وتعلم قدرة الله عليك، وأنها أعظم من قدرتك على الخلق فتتواضع لهم ولا تستطيل عليه.
وقد روى الإمام مسلم عن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال: كنت أضرب غلاما لي. فسمعت من خلفي صوتا (اعلم، أبا مسعود! لله أقدر عليك منك عليه) فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله! هو حر لوجه الله. فقال: (أما لو لم تفعل، للفحتك النار، أو لمستك النار).
ذكر الله عند الخلوة:
ذكر الله تعالى يجيء للإنسان في أوقات فراغه.. وما أكثر أوقات الفراغ التي يخلو الإنسان فيها بنفسه.. وقد يسرح فكره على غير طائل، ويضرب في ميادين الوهم على غير هدى.. ولكنه إذا أحسن استغلال هذه الفترات فذكر من خلقه؟ من رزقه؟ من علمه؟ من رباه؟ من ستره؟ من أكرمه؟ من كساه؟ من آواه؟ إذ ذكر ربه، وأحس نعمته، واعتبر، ورق قلبه، ودمعت عينه.. فإنه يغفر له.. فإن من بين من يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله: [رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه](متفق عليه).
ومن نماذج ذكر الله أن تكون وحدك، قديرا على ارتكاب أية رذيلة، ولكنك تشعر برقابة الله عليك، ويتحرك قلبك في جنبك ليعصمك من الزلل:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل .. .. خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغف ساعة .. .. ولا أن ما تخفيه عنه يغيب
وعند الزلل أيضا:
وذكر الله يخامر قلب المؤمن عندما يزله الشيطان إلى ذنب يرتكبه في جنب الله.. إنه لا يبقى في وهدته التي انزلق إليها، إنه لا يبقى في سقطته التي جره الشيطان عندها، إنه يذكر أن له ربا يغفر الذنب، ويقبل التوب.. ولذلك فهو ينهض من كبوته، ويطهر نفسه، ويعود إلى ربه، ويستأنف الطريق إليه، كما قال الله: {وٱلذين إذا فعلوا فـحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا ٱلله فٱستغفروا لذنوبهم ومن يغفر ٱلذنوب إلا ٱلله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} [آل عمران:135].
والفارق بين مؤمن يذنب وفاسق يذنب أن المؤمن سرعان ما يعود وميض الإيمان إلى ضميره إذا استطاع الشيطان أن يكسف نوره بشيء من الظلمة، أو بنفث من الدخان.
أما الفاسق فإنه يبقى على ظلمته ما يرى فيها بصيص نور، فيبقى على نجاسته ما يعرف طريق التطهر.. قال تعالى: {إن ٱلذين ٱتقوا إذا مسهم طـئف من ٱلشيطـن تذكروا فإذا هم مبصرون * وإخونهم يمدونهم فى ٱلغى ثم لا يقصرون} [الأعراف:201، 202].
الذكر ضد الغفلة:
إن الذكر يجيء ضدا للغفلة.. وما أكثر الغفلات، وفي محاربة النسيان.. وما أكثر ما يغشى عقل الإنسان من أسباب النسيان.. يجيء ذكر الله شعورا معنويا قبل أن يكون حركة شفتين.. يجيء هذا الذكر تحريكا لأقفال القلب حتى تنفتح، كما قال تعالى: {وٱذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون ٱلجهر من ٱلقول بٱلغدو وٱلاصال ولا تكن من ٱلغـفلين}[الأعراف:205].
تضرعا وخيفة.. تذللا وخوفا من الله.. هذا هو الذكر الذي حوله المسلمون إلى مجالس عبث، وإلى صيحات منكرة وإلى نوع من المجون والعبث، وهو ما حذرنا الله تعالى من مشابهتهم في الوقوع فيه فقال: {وذر الذين ٱتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم ٱلحيوة ٱلدنيا}[الأنعام:70].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجع :
هذا هو الذكر للغزالي
الذكر للمشهداني
الذكر الجميل للبدير
المشتغلون بالذكر لابن حميد