- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:محاسن الأخلاق
الحمد لله وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد:
فقد اقتضت حكمة الله عز وجل أن يجعل هذه الدنيا مزرعة للآخرة، وميدانا للتنافس كما قال تعالى: { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور}(الملك:2). وكان من فضله على عباده وكرمه أن يجزي على القليل كثيرا، وأن يضاعف الحسنات، ويجعل لعباده مواسم تعظم فيها هذه المضاعفة.
ومن أعظم هذه المواسم شهر رمضان الذي خصه الله بإنزال القرآن ، وفرض على المسلمين فيه الصيام: { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه...} (من الآية 185 سورة البقرة).
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يضاعف لعباده حين قال: (كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).
ولقد من الله تعالى على العباد في رمضان بالكثير من العطايا والمنن، فمن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، وله تعالى عتقاء في كل ليلة من لياليه، إلى غير ذلك من فضائله، وبالرغم من ذلك كله وجدنا لصوصا وقطاع طريق وقفوا للناس على طريق الاستقامة يريدون أن يتخطفوهم وينتزعوا منهم هذه الفضائل ويضيعوا عليهم الأجور، بل ويوقعوهم في الأوزار والآثام ليخرجوا من الشهر خاسرين، وقد حذرنا الله من اتباع سبيل هؤلاء الفاسقين : { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} (الكهف:28). وقال: { إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى * فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى} (طه:16:15).
إن هؤلاء الذين يسرقون منا الشهر قد بين الله تعالى حقيقة ما يريدون، وأظهر ما يضمرون حين قال: { والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما} (النساء:27).
ولنتذكر أن الله تعالى سائلنا عن هذه الجوارح: { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} (الإسراء:36).
ومن قطاع الطريق هذه الفنادق والمطاعم التي تدعوك إلى تناول وجبة السحور على أنغام الموسيقى وأنواع النرجيلة( الشيشة ) وأنت تعلم أن الموسيقى والدخان من المحرمات فهل يجوز لك أن تتناول السحور ذلك الطعام الذي أخبر النبي أن به بركة وتستعد للصيام بتناول المحرم؟
ومن قطاع الطريق مجالس السوء التي تقوم على الغيبة والنميمة وهتك أعراض الناس، والله عز وجل حرم الغيبة: { ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم}(الحجرات:12).
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن عقوبة من يقع في أعراض الناس ويغتابهم فقال: " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون ( يقطعون ويجرحون) وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الماس ويقعون في أعراضهم".
وقال مجاهد: من أحب أن يسلم له صومه فليجتنب الغيبة والكذب.
وقالت حفصة بنت سيرين: الصيام جنة ما لم يخرقها صاحبها ، وخرقها الغيبة.
وكان أبو هريرة رضي الله عنه وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المسجد وقالوا: نطهر صيامنا.
وكان جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم ، ودع عنك أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.
وإني أذكر نفسي وإياك بأمرين مهمين:
الأول:أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه
فإن تركت قطاع الطريق مع ميل نفسك لهم عوضك الله خيرا، وقد مر معنا أن الله يتولى جزاء الصائمين وفيه: "يدع طعامه وشرابه من أجلي".
ودل على هذا المعنى أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة". وقوله: " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة".
ولأن الصائم ترك الطعام والشراب ابتغاء وجه الله في الدنيا فإنه يرجو أن يقال له يوم القيامة: { كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية} (الحاقة:24).
الأمر الثاني:
أن من استجاب لقطاع الطريق فأهمل نفسه في رمضان وضيع هذا الزمن الشريف وبارز فيه ربه بالمعاصي يخشى أن تستجاب فيه دعوة جبريل عليه السلام التي أمن عليها الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال له جبريل: " يا محمد، من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأدخل النار فأبعده الله. قل آمين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آمين".
نسأل الله أن يجنبنا وإياكم قطاع الطريق في رمضان، وأن يمن علينا وعليكم بالعتق من النار، والفوز برضوان الله والجنة، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.