- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
ها قد أقبل رمضان فهبت على القلوب نفحات نسيم القرب، وسعى للمهجورين بالصلح، ووصلت البشارة للمنقطعين بالوصل، وللمذنبين بالعفو، وللمستوجبين النار بالعتق.
يا من طالت غيبته عنا قد قربت أيام المصالحة.. يا من دامت خسارته قد أقبلت أيام التجارة الرابحة.
من لم يربح في هذا الشهر ففي أي وقت يربح؟.. ومن لم يقرب فيه من مولاه وينال رضاه فقل لي بربك متى يفلح؟!. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وسلسلت الشيطان) رواه البخاري.
نعمة كبرى
إن بلوغ رمضان نعمة كبرى، وإنما يقدرها حق قدرها الصالحون المشمرون. ولذلك كان السلف يدعون ربهم ستة أشهر كاملة أن يبلغهم إياه لما يعلمون فيه من الفضيلة.
فإذا كان الله قد من عليك ببلوغه ومد في عمرك لوصوله، فالواجب استشعار هذه النعمة واغتنام هذه الفرصة؛ فإنها إن فاتت كانت حسرة ما بعدها حسرة، وخسارة ما بعدها خسارة.
وأي حسرة أعظم من أن يدخل الإنسان شهر رمضان ويخرج منه وذنوبه مازالت جاثمة على صدره، وأوزاره مازالت قابعة في كتاب عمله؟!.
وأي مصيبة أكبر وأعظم وأجل من أن يدخل الإنسان فيمن عناهم جبريل الأمين والنبي الكريم في دعائهما: "من أدرك رمضان ولم يغفر له، فدخل النار فأبعده الله، قل آمين. فقلت: آمين".
وكيف لا يبعده الله وهو لم ينل المغفرة في زمانها، ولم تبلغه التوبة في موسمها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول عن رمضان في الأحاديث الصحيحة:
ـ من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
ـ من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
- من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
- من صام يوما في سبيل الله باعد الله بينه وبين النار سبعين خريفا.
- من صام يوما في سبيل الله ختم له به دخل الجنة.
فمن حرم المغفرة في شهر المغفرة فماذا يرتجي؟!
إذا الروض أمسى مجدبا في ربيعه .. ... .. ففي أي وقت يستنير ويزهر؟
شهر عبادة ومسابقة
إن رمضان ليس شهر كسل ونوم، وأكل وشرب، ووخم وضعف، وإنما هو شهر مسابقة ومنافسة، مسابقة إلى الطاعات، ومنافسة في الخيرات، وسعي إلى العبادات. قال الحسن بن أبي الحسن (البصري): "إن الله جعل رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا وتخلف أقوام فخابوا".
إن الله تعالى قد هيأ في رمضان لعباده أسباب الطاعة، وفتح لهم باب المنافسة فيها. روى الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة".
إننا خلال سويعات سندخل مضمار سباق وسوق تجارة مع الله عز وجل، وأربح الناس صفقة أسبقهم إلى ربه، وأحسنهم صياما وأفضلهم قياما وأكثرهم عبادة لربه، وأقلهم معصية.
إن المسابقة إلى الله أصل في هذا الدين. قال تعالى: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}(الحديد:21). (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين}(آل عمران:133).
لقد كان كل واحد من السلف إذا قرأ هذا الكلام ظن نفسه المخاطب به فسابق القوم إلى الله ليكون أول الواصلين.
قالت جارية مالك بن دينار لسيدها: "رأيت كأن مناديا نادى من السماء الرحيل الرحيل، فما ارتحل إلا محمد بن واسع.. فبكى عمرو حتى غشى عليه".
وقال أبو مسلم الخولاني: "لو رأيت الجنة عيانا ما كان عندي مستزاد". وقال سهل التستري: "لو فاتنى وردي ما استطعت أن أقضيه" لأن وقته كله مشغول بالطاعة..
إن الأمر جد والله {فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} [الذاريات:23]. قال صلى الله عليه وسلم: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا) متفق عليه..
فطوبى لعبد قد أعد لرمضان عدته، وأتخذ له أهبته، وعلم أن الأمر جد فشمر عن ساعد الجد.. أولئك هم الصادقون، وأولئك هم الفائزون.
اللهم بلغنا رمضان بمنك، وأعنا فيه على طاعتك بكرمك، وتقبله منا برحمتك وفضلك..