المتساقطون على مضمار رمضان

1 827

أعظم نعمة أن يبلغك الله رمضان، وأعظم منها أن يوفقك لعمارته وحسن العبادة فيه، وأعظم من ذلك أن يتقبل منك هذا العمل الذي وفقك له، وأعظم من كل ذلك أن يختم لك بالعتق من النار فتفوز فوزا لا خسارة بعده أبدا.
إن لله في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرضوا لها، عسى أن تصيبكم نفحة لا تشقوا بعدها أبدا..

ورمضان من أعظم تلك النفحات، وإنما منحها الله إيانا لأنه يحبنا، ويريدنا أن نقبل عليه، يريد أن يهدينا يريد أن يتوب علينا... {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم * والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما * يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا}(النساء:26 ـ 28).

إن الله جعل رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا. (من كلام الحسن البصري).

وقد دخل المضمار في أول السباق كثير من الناس، لكن لم يمر إلا بضعة أيام حتى بدأ البعض يتساقط على أرض المضمار، وخرج آخرون من السباق تماما وعادوا إلى سالف العهد، وبدأ أقوام يتأخرون إلى ذيل السباق وربما وقف بعضهم.. فلماذا حدث هذا؟! هل زهدنا في رمضان؟! أم تعبنا من يومي عمل؟ أم حن الإنسان إلى عهد النوم والدعة والإخلاد إلى الراحة؟

إنني أعزو هذا إلى أمور:
الأول: عدم التجهز للسباق والتدرب عليه..
فإننا رأينا كل متسابق في مسابقة يعسكر لها ويتدرب عليها.. حتى أصحاب المسلسلات لابد من تمثيل المشهد مرات ومرات حتى يعتادوا عليه ثم يصور، وأهل الغناء بروفات كثيرة وكثيرة قبل التسجيل.. حتى أهل الكرة والمباريات وألعاب القوى وغيرها.. لابد قبل البطولات من تدريب متواصل حتى يحقق أعلى المراكز وأفضل المستويات؛ ولذلك قلنا قبل رمضان لابد من التعود على عبادات رمضان حتى لا يحدث ما حدث ويقع ما وقع.

ثانيا: الجهل بثمرة السباق وجوائزه..
فإن بعض الناس يزهد أحيانا في العمل لعدم تقديره لجائزته وقيمته وثمرته، ولو علم الأثر لسارع إلى العمل.. ولا شك أن رمضان نتائجه وعواقبه وجوائزه كثيرة جدا.
مغفرة الذنوب، وتطهير القلوب، والقرب من علام الغيوب، وثواب كثواب الصابرين، وعاقبة المجاهدين، وفرح في الدنيا ويوم الدين، ثم وصول إلى أعلى الدرجات، وتحقيق لأكبر المستويات في المراقبة والتقوى وغير ذلك مما لا يأتي عليه العد ولا الحصر.

ثالثا: الجهل بطبيعة السباق:
فبعض الناس لا يرى في رمضان إلا الصيام إلا قراءة القرآن وصلاة التراويح، فإذا لم يفتح عليه فيهما خرج من السباق وتركه لمحبي القرآن والصلاة وجلس هو يتفرج ويشاهد من بعيد.. والحق أن الأمر ليس كذلك.. فهناك أعمال كثيرة يمكن أن تنقل العبد وتقفز به من آخر الصف إلى أوله في لحظة.. فصدقة سر لا يراها أحد من الخلق وربما حتى صاحبها، ولمسة حانية على رأس يتيم، أو سد خلة مسكين، أو ستر عورة عار، أو جوعة جائع، أو دمعة في خلوة من خشية الله، أو عمل قلب كخشوع أو خوف أو حسن رجاء... وغيرها من الأعمال التي يبلغ ثوابها ما يفوق ثواب كثير من الأعمال الظاهرة.

والمقصد أيها الموفق ألا تخرج من السباق، وأن تبقى في المضمار حتى صافرة النهاية؛ فإن أواخر السباق ربما تحمل المفاجآت، وإن الله يعتق في آخر ليلة من رمضان بعدد ما أعتق طيلة الشهر.. فكن معهم فلعلك أن تكون منهم فإنهم القوم لا يشقى بهم جليسهم.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة