الصحبة في الحج

2 1017

قال الله تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} (الزخرف:67)، وقال: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا} (الفرقان:27-29).

من الأمور والآداب المهمة للحاج الاهتمام والاعتناء باختيار الصحبة والرفقة التي سيرافقها أثناء حجه، فيختار أصحابا ورفقاء صالحين، من الأتقياء والعباد والزهاد، وأهل العلم والخير، وأصحاب الفضل والهمة، الذين يذكرونه إذا نسي، ويعلمونه إذا جهل، وينشطونه إذا كسل، فيكتسب منهم أخلاقا وآدابا صالحة، وهمة عالية، وذلك لأن المرء على دين خليله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) رواه أبو داود، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي) رواه الترمذي.

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

                       لا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه          فكم من جاهل أردى حليما حين آخاه

                        يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه     وللشيء من الشيء مقاييس وأشباه

فالرفقة الصالحة من أعظم الأسباب المعينة على الهدى والخير ومحاسن الأخلاق؛ وذلك لأن الطبع لص، يسرق من الطبع الخير والشر، فمن كان جليسه وصاحبه صالحا استفاد منه صلاحا وهدى، ومن كان صاحبه من أهل الكبر والفسوق والمعاصي، فلن تزيده إلا شرا وبعدا عن الله، فاحذر من مصاحبة الفاسقين، الذين لا يراعون حرمات الله، ولا يعظمون شعائر الله، ولا يحرصون على تأدية حجهم على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيضيعون عليك أشرف الأوقات فيما لا ينفع ولا يفيد، وكما قيل: "الصاحب ساحب".

                        عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه                فكل قرين بالمقارن يقتدي

وإذا كان الأمر كذلك فحري بالمسلم ـ عامة والحاج خاصةـ أن يحذر صحبة الفاسد والفاسق؛ لأنه يجر صاحبه إلى طريق الشر والفساد، ويمنعه من مواصلة السير إلى الله، ويصده عن سواء السبيل، ويحول بينه وبين الحج المبرور، إنه جليس السوء الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك -يعطيك دون بيع- وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة) رواه البخاري.

وقال ابن الجوزي: "ما رأيت أكثر أذى للمؤمن من مخالطة من لا يصلح، فإن الطبع يسرق، فإن لم يتشبه به، ولم يسرق منه، فتر عن عمله".

فاحرص -أيها الحاج- أن تكون صحبتك ـ في سفرك عامة وفي الحج خاصةـ من أهل الدين والعلم والخير، فقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بصحبة الأخيار في قوله تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} (الكهف:28)، ولذلك كان السلف رحمهم الله يختارون لسفر الحج ونحوه الصحبة الصالحة، من أهل العلم والصدق، وأصحاب الديانة والهمة العالية.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة