- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:آيات الأحكام
من أوائل الآيات التي تحدثت عن المنافقين قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} (البقرة:8). ذكر المفسرون أن المراد بهذه الآية وما بعدها المنافقون، الذين أظهروا الإيمان، وأسروا الكفر، واعتقدوا أنهم يخدعون الله تعالى، وهو منـزه عن ذلك؛ فإنه لا تخفى عليه خافية.
ويتعلق بهذه الآية من جهة الأحكام مسألة قتل المنافق.
والمروي من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه لم يقتل المنافقين مع علمه بهم، وقيام الشهادة عليهم، أو على أكثرهم.
وقد اتفق العلماء على أن المنافق لا يقتل؛ عملا بفعله صلى الله عليه وسلم، ففي البخاري من حديث جابر رضي الله عنه، قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثاب -رجع- معه ناس من المهاجرين، حتى كثروا، وكان من المهاجرين رجل لعاب -يلعب بالحراب، وقيل: مزاح-، فكسع أنصاريا -أي: ضرب دبره بيده أو رجله-، فغضب الأنصاري غضبا شديدا، حتى تداعوا، وقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما بال دعوى أهل الجاهلية)، ثم قال: (ما شأنهم)، فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوها، فإنها خبيثة)، وقال عبد الله بن أبي بن سلول، أقد تداعوا علينا؟ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال عمر: ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه).
واختلف العلماء في سبب عدم قتله صلى الله عليه وسلم المنافقين على قولين:
الأول: أنه لم يقتلهم؛ لأنه لم يعلم حالهم سواه. وقد اتفق العلماء على أن القاضي لا يقتل بعلمه، بل لا بد بشهود آخرين.
الثاني: أنه لم يقتلهم لمصلحة تألف القلوب عليه؛ لئلا تنفر عنه، وقد ألمع إلى هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: (لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه) وهذا هو الصحيح المعتمد.
قال ابن العربي: "والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعرض عنهم؛ تألفا ومخافة من سوء المقالة الموجبة للتنفير. وهذا كما كان يعطي الصدقة للمؤلفة قلوبهم مع علمه بسوء اعتقادهم، تألفا لهم، أجرى الله سبحانه أحكامه على الفائدة التي سنها؛ إمضاء لقضاياه بالسنة التي لا تبديل لها".
غير أن العلماء قالوا: إن المنافق يقتل إذا نطق بكلمة الكفر، أو وجد منه مكفر، وقامت عليه البينة ، ولم يتب قبل الاطلاع عليه.
قال ابن تيمية رحمه الله: "فحيثما كان للمنافقين ظهور، وتخاف من إقامة الحد عليه فتنة أكبر من بقائه، عملنا بآية {ودع أذاهم} (الأحزاب:48)، وحيثما حصل لنا القوة والعز، خوطبنا بقوله: {جاهد الكفار والمنافقين} (التوبة:73).