اهمال التربية.. والعقوق المتبادل

0 1938

تربية الأبناء واجب على الآباء وأولياء الأمور، وهو مطلب شرعي يجر وراءه كثيرا من المنافع للمربي والمربى جميعا، كما ينتج عنه منافع دنيوية وأخروية لا حصر لها.. لكن..

ماذا لو قدم أب أو أم استقالته من تربية الأولاد؟ ربما تتعجبون من هذا السؤال!! ولكن أليست هذه حقيقة عند فئام من الأسر؟

ألم يتحول كثير من الآباء إلى مجرد وزارة مالية، وصارت المهمة تربية أبدان فارغة من العقول؟!

ألم يتحول بعض أو كثير من بيوتنا من محضن تربوي إلى مجرد معلف أو لوكاندة أو فندق للنوم وفقط؟

هل يعقل أن أبا يمر عليه أسابيع لا يرى أبناءه أو بعضهم؟ أو أن أما ترى صورا في غرفة ولدها فتقسم ما رأتها إلا الآن وهي معلقة منذ فترة؟

هل الأب الذي لا يعرف صف ولده في المدرسة يصلح أن يكون أبا ومربيا؟!

هل الأم التي تركتها ابنتها وذهبت لتحكي آمالها وآلامها لصديقتها واستقت منها كل ما ترغب في معرفته.. هل هذه تستحق وصف الأمومة الحقيقية؟

الأب الذي يغيب عن حياة أبنائه، ولا يجلس معهم إلا منهكا آخر الليل أمام الشاشة ليشاهد فيلما أو مسلسلا ولا يتكلم معهم في أي شيء يخصهم .. في أي خانة يوضع؟

أليس أمثال هؤلاء قد قدموا استقالة جماعية عن تربية أبناءهم ورعايتهم، أعني التربية في مفهومها الصحيح والرعاية بمعناها الشامل.

ألا يمكن أن يعد أبناء أمثالهم في عداد الأيتام، أعني تربويا، فإن بعض الآباء حي لكنه كالميت، أبناؤه أيتام في حياة أبيهم.. كما قال الشاعر:
ليس اليتيم من انتهى أبواه من .. .. هـم الحياة وخلـفاه ذلـيلا
إن اليــتــيم الــذي تـلــقى لــه .. .. أما تخلت أو أبا مشغولا.
من الظلم إذا كان هذا حال المربين أن نسخط على أبنائنا لسوء خلقهم أو كثرة أخطائهم، أو قبح فعالهم..

حقوق الأبناء
أيها الآباء.. إذا كان لكم حقوق على أبنائكم، وهذا صحيح بلا شك، فإن لأبنائكم أيضا حقوقا عليكم.. وقد أصل عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا الأصل حين جاء إليه أب يشكو إليه عقوق ولده؛ فاستدعى عمر الابن وسأله، فقال: يا أمير المؤمنين أليس للأبناء حقوق على آبائهم كما أن للآباء حقوقا على أبنائهم؟ قال: بلى. قال: فما حقي عليه؟ قال: أن يختار أمك، وأن يحسن اسمك، وأن يعلمك القرآن. فقال: أما أمي فأمة حبشية سوداء، وأما اسمي فقد سماني جعلا، وأما القرآن فما علمني منه شيئا.. فنظر عمر إلى الرجل وقال: اذهب فقد عققت ابنك قبل أن يعقك.

إنه عقوق متبادل: تفريط في التربية من الآباء، وإهمال في الرعاية، وعدم اهتمام بالحاجيات الأساسية، يقابله ولابد عقوق، وسوء أدب، وعدم احترام وربما يزيد احيانا فيصل إلى الإساءة والإهانة.

إن إهمال الوالدين للتربية لن يضر الأبناء فقط، ولن يتوقف أثره على الدنيا فقط، بل عاقبته في الدنيا عقوق متبادل وثمرة مرة أمر من العلقم، وفي الآخرة حساب طويل، وعقاب وبيل قد تكون خاتمته النار والبقاء فيها لزمن طويل.

روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته].

فإذا فرط الإنسان في الأمانة وغش الراعي رعيته حرم الله عليه والجنة؛ كما في حديث معقل بن يسار عن النبي المختار عليه الصلاة والسلام قال: [ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة]. صدق رسول الله.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة