ائتوني بأمِّ خالد

3 1331

عن أم خالد بنت خالد ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( أتي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بثياب فيها خميصة سوداء، قال: من ترون نكسوها هذه الخميصة؟!، فأسكت القوم، قال: ائتوني بأم خالد، فأتي بي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فألبسنيها بيده، وقال: أبلي وأخلقي ـ مرتين ـ، فجعل ينظر إلى علم الخميصة ويشير بيده إلي ويقول: يا أم خالد هذا سنا ـ والسنا بلسان الحبشة الحسن ـ ) رواه البخاري .

أم خالد: هي أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، وأمها أميمة بنت خلف الخزاعية إحدى فضليات نساء الصحابة، ولدت بأرض الحبشة، وفتحت عينيها على الإسلام، وكان والدها من المهاجرين إلى الحبشة حين اشتد الأذى على المؤمنين في مكة، وتزوجها الزبير بن العوام ـ رضي الله عنه ـ أحد العشرة المبشرين بالجنة، وولدت له عمرا وخالدا، وعاشت دهرا طويلا حتى لحقها موسى بن عقبة .
( الخميصة ) : كساء من خز أو صوف أسود، ( أبلي وأخلقي ) : كلام معروف عند العرب معناه الدعاء بطول البقاء ،( سنا ) : في الحديث تفسيره أنه بلسان الحبشة : الحسن . 
قال ابن حجر: " أبلي بفتح الهمزة وسكون الموحدة وكسر اللام أمر بالإبلاء , وكذا قوله: أخلقي بالمعجمة والقاف أمر بالإخلاق وهما بمعنى, والعرب تطلق ذلك وتريد الدعاء بطول البقاء للمخاطب بذلك, أي أنها تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلق "
وقال: " .. ووقع في رواية أبي زيد المروزي عن الفربري: ( وأخلفي ) بالفاء وهي أوجه من التي بالقاف، لان الأولى تستلزم التأكيد، إذ الإبلاء والإخلاق بمعنى، لكن جاء العطف لتغاير اللفظتين، والثانية تفيد معنى زائدا، وهو أنها إذا أبلته أخلفت غيره، ويؤيد هذه الرواية ما أخرجه أبو داود بسند صحيح عن أبي نضرة قال: ( كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا لبس أحدهم ثوبا جديدا، قيل له: تبلي ويخلف الله ) " .

لا شك أن اهتمام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأم خالد، والمعاملة النبوية الكريمة مع طفولتها، فيه تكريم لها، وإدخال للسرور عليها وعلى أبيها، إذ رأى أبوها ـ سعيد بن العاص ـ رضي الله عنه ـ، النبي - صلى الله عليه وسلم – يكسوا ابنته الصغيرة بيديه، ويقول لها : ( يا أم خالد سنا ) أي: هذا جميل وحسن، بلغة الحبشة التي تعلمتها أم خالد حيث ولدت، ثم يعقب النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك فيدعو لها بطول العمر، قائلا: ( أبلي وأخلقي )، ومعلوم أن إكرام الصغار إكرام لآبائهم، والبر بهم بر بأهليهم وذوي قرابتهم .

وفي موقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الطفلة الصغيرة أم خالد اهتمامه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وتكريمه للبنات، فمن المعلوم أن العرب في الجاهلية كانوا لا يحبون البنات، ويترقبون الأولاد، للوقوف إلى جانبهم ومساندتهم، أما البنت فكان التخوف من عارها يحملهم على كراهتها، حتى بعث الله نبينا ـ صلى الله عليه وسلم -، فحفظ للبنت حقوقها وأكرمها، ووعد من يرعاها ويحسن إليها بالأجر الجزيل، وجعل حسن تربيتها ورعايتها والنفقة عليها سبب من الأسباب الموصلة إلى رضوان الله وجنته، حتى قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم -: ( من عال جارتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه ) رواه مسلم .

الـتـكـنـيـة :

يؤخذ من حديث أم خالد فائدة وهي جواز التكنية للصغير، ومثله حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير ـ قال: أحسبه فطيما ـ وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير، ما فعل النغير ) رواه البخاري . والنغير: طائر صغير كان يلعب به .
فمن سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التكنية ومناداة الصغير بأبي فلان، أو الصغيرة بأم فلان، وتكنية الطفل ينمي لديه الإحساس بالثقة، ويشعره بأنه أكبر من سنه فيزداد نضجه، ويرتقي بشعوره عن مستوى الطفولة المعتاد، ويحس بمشابهته للكبار .

بركة دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

لقد كان لدعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأثر المبارك في حياة أم خالد ـ رضي الله عنها ـ عندما قال لها: ( أبلي وأخلقي )، إذ استجيبت دعوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فلم تعش امرأة من الصحابة ما عاشت أم خالد ـ رضي الله عنها ـ، فقد ذكر الذهبي في السير: " أنها عمرت إلى قريب من عام تسعين " ..

وفي قصة أم خالد ـ رضي الله عنها ـ نرى مع كثرة أعبائه ومسئولياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ كيف اتسع وقته ليهتم بإدخال السرور على أصحابه وعلى أطفالهم الصغار، ولا عجب فهو المبعوث لإسعاد البشرية في دنياهم وأخراهم، وهو الذي دل أمته على أن أحب الأعمال إلى الله ـ عز وجل ـ: ( سرور تدخله على قلب مسلم ) ..
 

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة