الحجر الأسود

0 2440

الحجر الأسود حجر من الجنة، نزل به جبريل عليه السلام ليصير أشرف أجزاء الكعبة المكرمة، ومعلوم أن أول بيت وضع للناس في الأرض لعبادة الله هو الكعبة، قال الله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين} (آل عمران:96)، وأول من بنى الكعبة إبراهيم الخليل وولده إسماعيل ـ عليهما السلام ـ، كما قال الله تعالى: { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} (البقرة:127) .

وعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( نزل الحجر الأسود من الجنة ) رواه الترمذي

قصة وضع الحجر الأسود :

لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسا وثلاثين سنة ـ قبل بعثته بخمس سنوات ـ، اجتمعت قريش لتجديد بناء الكعبة لما أصابها من تصدع جدرانها، وكانت لا تزال كما بناها إبراهيم ـ عليه السلام ـ رضما(حجارة) فوق القامة، وقد تم تقسيم العمل في بناء الكعبة بين القبائل، وتولت كل واحدة منها ناحية من نواحي الكعبة، فجعلوا يبنونها بحجارة الوادي، ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود دب الشقاق بين قبائل قريش، فكل يريد أن ينال شرف رفع الحجر الأسود إلى موضعه، وكادوا أن يقتتلوا فيما بينهم، حتى جاء أبو أمية بن المغيرة المخزومي فاقترح عليهم أن يحكموا فيما اختلفوا فيه أول من يدخل عليهم من باب المسجد الحرام، فوافقوا على اقتراحه وانتظروا أول قادم، فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما إن رأوه حتى هتفوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد، وما إن انتهى إليهم حتى أخبروه الخبر، فقال : ( هلم إلي ثوبا )، فأتوه به فوضع الحجر في وسطه ثم قال : ( لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ) ففعلوا، فلما بلغوا به موضعه أخذه بيده الشريفة ووضعه في مكانه

              ثم ابن خمس وثلاثين حضر         بناء بيت الله إذ بنى الحجر
                بيده الكريمة الزكية                صلى عليه خالق البرية

وفي قصة الحجر الأسود ظهرت حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد كان ـ صلوات الله وسلامه عليه - ذا عقل راجح، وحكمة بليغة، ظهرت في مواقف كثيرة من حياته قبل وبعد بعثته، وقد كانت طريقة حله للنزاع والخلاف موفقة وعادلة وحكيمة، ومن ثم رضي بها الجميع، وحقنت دماء كثيرة، وأوقفت حروبا طاحنة .

وقد حصل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك أمران: الأول: إنهاء الخصومة ووقف القتال المتوقع بين قبائل قريش، والثاني: حصوله هو ـ صلى الله عليه وسلم ـ على شرف وضع الحجر الأسود بيديه الشريفتين في مكانه من البيت، وهذا من توفيق الله لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وبيان لفضله وعلو منزلته، فحاز النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الشرف الذي كادوا يقتتلون عليه جميعا، وهذه من أول المقدمات للتكريم، ومن اعترافات قريش له ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنه الأمين .

ثم إن قبول قريش لتحكيمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وشهادتهم له بأنه "الأمين"، يعد من أسباب إقامة الحجة عليهم، فرضى جميع قبائل العرب في مكة بحكمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قضية وضع الحجر الأسود، وشهادتهم له بأنه الصادق الأمين، تكشف عن مدى الحقد والكبر والعناد الذي امتلأت به أفئدة هؤلاء أنفسهم بعد أن جاءهم بالرسالة من عند الله، وأخذ يبلغها إليهم، ويدعوهم إلى الله، فقابلوه بالعناد والإيذاء ـ رغم علمهم واعترافهم بصدقه وأمانته، وحسن صفاته وجميل أخلاقه ـ، وقالوا: { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم }(الزخرف: من الآية31)، وصدق الله ـ عز وجل ـ حيث قال عنهم وعن أمثالهم ممن يكذبون رسول الله ولا يؤمنون به: { فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون }(الأنعام: من الآية33) .

فضل الحجر الأسود، وتقبيله :

الحجر الأسود أشرف حجر على وجه الأرض، وهو من الجنة، فعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( نزل الحجر الأسود من الجنة، وهو أشد بياضا من اللبن، فسودته خطايا بني آدم ) رواه الترمذي .

وعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: ( والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق ) رواه الترمذي .

وجاء في فضل مسحه واستلامه عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطا ) رواه أحمد .

ويشرع استلام الحجر الأسود عند البدء بالطواف، وعند أول كل شوط، وكذا يشرع تقبيله فإن شق ذلك استلمه بيده، وقبل يده، وإلا أشار إليه دون تقبيل، فعن نافع ـ رضي الله عنه ـ قال: ( رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده، ثم قبل يده وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفعله ) رواه مسلم .

وعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: " إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقبلك ما قبلتك " رواه البخاري .

قال ابن حجر : " قال الطبري : إنما قال ذلك عمر، لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر تعظيم بعض الأحجار، كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، لا لأن الحجر يضر وينفع بذاته، كما كانت تعتقده في الأوثان ... وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين، وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما يفعله، ولو لم يعلم الحكمة فيه، وفيه دفع ما وقع لبعض الجهال من أن في الحجر الأسود خاصية ترجع إلى ذاته، وفيه بيان السنن بالقول والفعل، وأن الإمام إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاد، أن يبادر إلى بيان الأمور ويوضح ذلك " .

إن حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكمال عقله، وأصالة تفكيره، يتجلى في كثير من تصرفاته قبل النبوة وبعدها، كما حدث في قصة وضع الحجر الأسود، وفي إعداد الجيوش، ومباغتته للأعداء قبل أن يبغتوه في بلده، وموقفه في القضاء على الفتنة التي كادت تقع بين الأوس والخزرج بسبب تأليب اليهود، وبين المهاجرين والأنصار أثناء غزوة بني المصطلق، وفي عقد المعاهدات والصلح، وفي معاملة الأصدقاء والأعداء، إلى غير ذلك مما لا يحصيه العد في سيرته العطرة ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ..

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة