- اسم الكاتب:اسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
المال هو عصب الحياة، وهو زينة من زينتها، ومقوم كبير من مقوماتها، ييسر مباهجها، ويقرب ملذاتها ، وهو صيانة لأصحابه عن بذل وجوههم للآخرين، وصيانة لدين العلماء خاصة والمؤمنين عامة، وهو كذلك سياج للدين وضمان لبقائه ومدد لتسليحه وحمايته، وقد قال تعالى عنه: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا}.
غير أن المال سلاح ذو حدين، فهو لبعض الناس منحة وللبعض محنة، ولبعض الخلق نعمة ولآخرين فتنه..
والإسلام لم يحمد المال لذاته، ولم يذمه لذاته كذلك، وإنما مدحه بقدر ما يكون نافعا لصاحبه في دنياه وأخراه.. وأما إن عاد بالمضرة على دين المرء أو دنياه فحقه القدح والذم.
والقرآن الكريم كما وصف المال بأنه {زينة الحياة الدنيا}، كذلك وصفه بأنه فتنة من فتنتها {إنما أموالكم وأولادكم فتنة}.
وكذلك الحال في السنة.. فتارة يقول عليه الصلاة والسلام: [نعم المال الصالح للعبد الصالح]، وتارة يقول : [إن لكل قوم فتنة، وفتنة أمتي المال] كما في حديث كعب بن عياض، قال ابن حجر: وله شاهد مرسل.
وفي صحيح البخاري وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: [هلك عبد الدينار والدرهم].
فوصف صلوات الله وسلامه عليه بعض الناس بعبادة المال، لشدة شغفه به وحرصه على جمعه، وبذل كل حياته في حفظه فكأنه يعيش له، حتى صار كالأسير الذي لا يجد فكاكا، وكالعبد الذي بلغ المنتهى في تعلق القلب الدرهم والدينار فاستحق وصف العبودية لهما، واستحق كذلك الدعاء عليه على لسان النبي عليه الصلاة والسلام بالتعاسة والانتكاس [تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش].
والحق أن في دنيا الناس خلق يستحقون هذا الدعاء وزيادة، حيث بلغ حبهم للمال مبلغا نقله من أن يكون سبب سعادة وسبيل نجاة، إلى أن اصبح باب تعاسة ووسيلة هلاك وموجبا للذم والقدح.. وقد وصف بعض هؤلاء ابن الجوزي في كتابه "صيد الخاطر/267" حيث يقول:
"من الناس من يبخل حتى ينتهي البلاء بهم إلى عشق عين المال. فربما مات أحدهم هزالا وهو لا ينفقه، فيأخذه الغير ويندم المخلف.. ولقد بلغني في هذا ما ليس فوقه مزيد، ذكرته لتعتبر به:
فحدثني شيخنا أبو الفضل بن ناصر، عن شيخه عبد المحسن الصوري، قال: [ كان بصور تاجر في غرفة له يأخذ كل ليلة من البقال رغيفين وجوزة، فيدخل إلى غرفته وقت المغرب، فيضرم النار في الجوزة فتضيء بمقدار ما ينزل ثوبه. وفي زمان إحراق القشر تكون قد استوت فيمسح بها الرغيفين ويأكلهما، فبقي على هذا مدة فمات، فأخذ منه ملك صور ثلاثين ألفا].
ورأيت أن رجلا من كبار العلماء قد مرض، فاستلقى عند بعض أصدقائه، ليس له من يخدمه، ولا من يرافقه، وهو يتضرر به، فلما مات وجدوا بين كتبه خمسمائة دينار.
وحكى لي صديق لنا، أن رجلا مات ودفن في الدار، ثم نبش بعد مدة ليخرج فوجد تحت رأسه لبنة مقيرة (أي دهنها بالقار). فسأل أهله عنها فقالوا: هو قير هذه اللبنة وأوصى أن تترك تحت رأسه في قبره وقال: إن اللبن يبلى سريعا، وهذه لموضع القار لا تبلى. فأخذوها فوجدوها رزينة، فكسروها فوجدوا فيها تسعمائة دينار فتولاها أصحاب التركات.
وبلغني أن رجلا كان يكنس المساجد، ويجمع ترابها، ثم يضربه لبنا، فقيل له هذا لأي شيء؟ فقال: هذا تراب مبارك، وأريد أن يجعلوه على لحدي، فلما مات جعل على لحده، ففضل منه لبنات، فرموها في البيت، فجاء المطر فتفسخت اللبنات فإذا فيها دنانير. فمضوا وكشفوا اللبن عن لحده وكله مملوء دنانير.
ولقد مات بعض أصدقائنا وكنت أعلم أن له مالا كثيرا، وطال مرضه فما أطلع أهله على شيء، ولا أكاد أشك أنه من شحه وحرصه على الحياة، ورجائه أن يبقى لم يعلمهم بمدفونه، خوفا أن يؤخذ فيحيا هو، وقد أخذ المال. وما يكون بعد هذا الخزي شيء.
وحدثني بعض أصحابنا عن حالة شاهدها من هذا الفن. قال: [كان فلان له ولدان ذكران وبنت وله ألف دينار مدفونة. فمرض مرضا شديدا، فقال لأحد ابنيه: لا تبرح من عندي. فلما خلا به قال له: إن أخاك مشغول باللعب بالطيور، وإن أختك لها زوج تركي ومتى وصل من مالي إليهما شيء أنفقوه في اللعب، وأنت على سيرتي وأخلاقي، ولي في الموضع الفلاني ألف دينار، فإذا أنا مت فخذها وحدك. فاشتد بالرجل المرض، فمضى الولد فأخذ المال.. فعوفي الأب، فجعل يسأل الولد أن يرد المال إليه فلا يفعل، فمرض الولد فجعل الأب يتضرع إليه ويقول: ويحك خصصتك بالمال دونهم، فتموت فيذهب المال، ويحك لا تفعل، فما زال به حتى أخبره بمكانه، فأخذه.. ثم عوفي الولد، ومضت مدة فمرض الأب، فاجتهد الولد أن يخبره بمكان المال، وبالغ فلم يخبره، ومات وضاع المال.
فسبحان من أعدم هؤلاء العقول والفهوم، {إن هم إلا كالأنعام بل هم أضلوا سبيلا}.